اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَكَيۡفَ إِذَا جَمَعۡنَٰهُمۡ لِيَوۡمٖ لَّا رَيۡبَ فِيهِ وَوُفِّيَتۡ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (25)

قوله : " فَكَيْفَ إذا " " كَيْفَ " منصوبة بفعل مُضْمَر ، تقديره : كيف يكون حالهم ، كذا قدَّره الحوفيّ وهذا يحتمل أن يكون الكون تاماً ، فيجيء في " كيف " الوجهان المتقدمان في قوله : " كَيْفَ تَكْفُرُونَ{[5]} " من التشبيه بالحال ، أو الظرف ، وأن تكون الناقصة فتكون " كيف " خبرها .

وقدّر بعضهم الفعل ، فقال : كيف يصنعون ؟ [ فإن أراد " كان " التامة كانت في موضع نصب على الحال ، وإن أراد الناقصة كانت في موضع نصب على خبر " كان{[6]} " ] ، فكيف على ما تقدم من الوجهين .

ويجوز أن تكون " كيف " خبراً مقدماً والمبتدأ محذوف ، تقديره : فكيف حالُهم ؟

قوله : { إِذَا جَمَعْنَاهُمْ } " إذا " ظرف محض من غير تضمين شرط ، والعامل فيه العامل في " كَيْفَ " ؛ إن قلنا : إنها منصوبة بفعل مقدَّر كما تقدم تقريره - وإن قُلْنَا : إنها خبر لمبتدأ مُضْمَر ، وهي منصوبة انتصاب الظروفِ كان العامل في " إذَا " الاستقرار العامل في " كَيْفَ " ؛ لأنها كالظرف ، وإن قلنا : إنها اسم غير ظرف ، بل لمجرد السؤال كان العامل فيها نفس المبتدأ - الذي قدرناه - أي : كيف حالهم في وقت جمعهم ؟

ويُحْذَف الحال - كثيراً - مع " كيف " ، لدلالته عليها ، تقول : كنت أكرمه - ولم يزرني - فكيف لو زارني ؟ أي : كيف حاله إذا زارني ؟ وهذا الحذف يوجب مزيد البلاغة ، لما فيه من تحرُّك النفي على استحضار كل نوع من أنواع الكرامة ، وكل نوع من أنواع العذاب - في هذه الآية- .

قوله : " لِيَوْمٍ " متعلق ب " جَمَعْنَاهُمْ " أي : لقضاء يوم ، أو لجزاء يوم .

فإن قيل : لِمَ قال : " لِيَوْمٍ " ولم يقل : في " يَوْمٍ " .

فالجوابُ : ما ذكرناه من أنّ المرادَ : لجزاء يوم ، أو لحساب يوم ، فحذف المضاف ، ودلت اللام عليه قال الفرّاءُ : اللام لفعل مضمر ، فإذا قلتَ : جُمِعُوا ليوم الخميس ، كان المعنى : جمعوا لفعل يوجد في يوم الخميس ، وإذا قلت : جُمِعُوا في يوم الخميس لم تُضْمِرْ فِعْلاً .

وأيضاً فمن المعلوم أن ذلك اليوم لا فائدةَ فيه إلا المجازاة .

وقال الكسائيُّ : اللام بمعنى " في " .

" لا ريب فيه " صفة للظرف .

قوله : { وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ } إن حَمَلْتَ " مَا كَسَبَتْ " على عمل العبد ، جُعِلَ في الكلام حذفٌ ، والتقدير : ووفيت كلُّ نفسٍ جزاءَ ما كسبت من ثواب وعقاب ، وإن حملت " مَا كَسَبَتْ " على الثواب والعقاب استغنيت عن هذا الإضمار ، ثم قال : { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } فلا يُنْقَص من ثواب حسناتهم ، ولا يُزاد على عقاب سيئاتهم .

فصل

استدلوا بهذه الآية على أن صاحب الكبيرة - من أصحاب الصلاة - لا يُخَلَّد في النار ؛ لأنه مستحق للعقاب - بتلك الكبيرة - ومستحق ثواب الإيمانِ ، فلا بُدَّ وأن يُوَفَّى ذلك الثوابَ ؛ لقوله تعالى : { وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ } فإما أن يُثاب في الجنة ثم يُنقَل إلى النار ، وذلك باطل بالإجماع . وإما أن يُعاقَبَ في النار ، ثم يُنْقَل إلى دار الثواب أبَداً مُخَلَّداً ، وهو المطلوب . وقد تقدم إبطال تمسك المعتزلة بالعمومات .

فإن قيل : لِمَ لا يجوز أن يُقال : إن ثوابَ إيمانهم يُحْبَط بعقاب معصيتهم ؟

فالجوابُ : أن هذا باطل لما تقدم في البقرة من أن القول بالمحابطة محال ؛ وأيضاً فإنا نعلم - بالضرورة - أن ثوابَ توحيدِ [ سبعين ] {[7]} سنةً أزيد من عقاب شُرْبِ جَرْعَةٍ من الخمر والمنازع فيه مُكابِر ، وبتقدير القول بصحة المحابطة يمتنع سقوط ثوابِ كل الإيمانِ بعقاب شُربِ جَرعَةٍ من الخمر .

وكان يحيى بن معاذ - رحمه الله - يقول : ثواب إيمان لحظة يُسْقِط كُفْرَ ستين سنةً ، فثواب إيمان ستين سنةً كيف يُعْقَل أن لا يُحْبِطَ عِقَابَ ذَنْبِ لَحْظَة ؟


[5]:تقدم.
[6]:سقط من: ب.
[7]:تقدم.