قوله : " فَكَيْفَ إذا " " كَيْفَ " منصوبة بفعل مُضْمَر ، تقديره : كيف يكون حالهم ، كذا قدَّره الحوفيّ وهذا يحتمل أن يكون الكون تاماً ، فيجيء في " كيف " الوجهان المتقدمان في قوله : " كَيْفَ تَكْفُرُونَ{[5]} " من التشبيه بالحال ، أو الظرف ، وأن تكون الناقصة فتكون " كيف " خبرها .
وقدّر بعضهم الفعل ، فقال : كيف يصنعون ؟ [ فإن أراد " كان " التامة كانت في موضع نصب على الحال ، وإن أراد الناقصة كانت في موضع نصب على خبر " كان{[6]} " ] ، فكيف على ما تقدم من الوجهين .
ويجوز أن تكون " كيف " خبراً مقدماً والمبتدأ محذوف ، تقديره : فكيف حالُهم ؟
قوله : { إِذَا جَمَعْنَاهُمْ } " إذا " ظرف محض من غير تضمين شرط ، والعامل فيه العامل في " كَيْفَ " ؛ إن قلنا : إنها منصوبة بفعل مقدَّر كما تقدم تقريره - وإن قُلْنَا : إنها خبر لمبتدأ مُضْمَر ، وهي منصوبة انتصاب الظروفِ كان العامل في " إذَا " الاستقرار العامل في " كَيْفَ " ؛ لأنها كالظرف ، وإن قلنا : إنها اسم غير ظرف ، بل لمجرد السؤال كان العامل فيها نفس المبتدأ - الذي قدرناه - أي : كيف حالهم في وقت جمعهم ؟
ويُحْذَف الحال - كثيراً - مع " كيف " ، لدلالته عليها ، تقول : كنت أكرمه - ولم يزرني - فكيف لو زارني ؟ أي : كيف حاله إذا زارني ؟ وهذا الحذف يوجب مزيد البلاغة ، لما فيه من تحرُّك النفي على استحضار كل نوع من أنواع الكرامة ، وكل نوع من أنواع العذاب - في هذه الآية- .
قوله : " لِيَوْمٍ " متعلق ب " جَمَعْنَاهُمْ " أي : لقضاء يوم ، أو لجزاء يوم .
فإن قيل : لِمَ قال : " لِيَوْمٍ " ولم يقل : في " يَوْمٍ " .
فالجوابُ : ما ذكرناه من أنّ المرادَ : لجزاء يوم ، أو لحساب يوم ، فحذف المضاف ، ودلت اللام عليه قال الفرّاءُ : اللام لفعل مضمر ، فإذا قلتَ : جُمِعُوا ليوم الخميس ، كان المعنى : جمعوا لفعل يوجد في يوم الخميس ، وإذا قلت : جُمِعُوا في يوم الخميس لم تُضْمِرْ فِعْلاً .
وأيضاً فمن المعلوم أن ذلك اليوم لا فائدةَ فيه إلا المجازاة .
وقال الكسائيُّ : اللام بمعنى " في " .
قوله : { وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ } إن حَمَلْتَ " مَا كَسَبَتْ " على عمل العبد ، جُعِلَ في الكلام حذفٌ ، والتقدير : ووفيت كلُّ نفسٍ جزاءَ ما كسبت من ثواب وعقاب ، وإن حملت " مَا كَسَبَتْ " على الثواب والعقاب استغنيت عن هذا الإضمار ، ثم قال : { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } فلا يُنْقَص من ثواب حسناتهم ، ولا يُزاد على عقاب سيئاتهم .
استدلوا بهذه الآية على أن صاحب الكبيرة - من أصحاب الصلاة - لا يُخَلَّد في النار ؛ لأنه مستحق للعقاب - بتلك الكبيرة - ومستحق ثواب الإيمانِ ، فلا بُدَّ وأن يُوَفَّى ذلك الثوابَ ؛ لقوله تعالى : { وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ } فإما أن يُثاب في الجنة ثم يُنقَل إلى النار ، وذلك باطل بالإجماع . وإما أن يُعاقَبَ في النار ، ثم يُنْقَل إلى دار الثواب أبَداً مُخَلَّداً ، وهو المطلوب . وقد تقدم إبطال تمسك المعتزلة بالعمومات .
فإن قيل : لِمَ لا يجوز أن يُقال : إن ثوابَ إيمانهم يُحْبَط بعقاب معصيتهم ؟
فالجوابُ : أن هذا باطل لما تقدم في البقرة من أن القول بالمحابطة محال ؛ وأيضاً فإنا نعلم - بالضرورة - أن ثوابَ توحيدِ [ سبعين ] {[7]} سنةً أزيد من عقاب شُرْبِ جَرْعَةٍ من الخمر والمنازع فيه مُكابِر ، وبتقدير القول بصحة المحابطة يمتنع سقوط ثوابِ كل الإيمانِ بعقاب شُربِ جَرعَةٍ من الخمر .
وكان يحيى بن معاذ - رحمه الله - يقول : ثواب إيمان لحظة يُسْقِط كُفْرَ ستين سنةً ، فثواب إيمان ستين سنةً كيف يُعْقَل أن لا يُحْبِطَ عِقَابَ ذَنْبِ لَحْظَة ؟
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.