تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِلَّا بَلَٰغٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِسَٰلَٰتِهِۦۚ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَإِنَّ لَهُۥ نَارَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا} (23)

وقوله تعالى : { إِلا بَلاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ } قال بعضهم : هو مستثنى من قوله : { لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا } { إِلا بَلاغًا } ويحتمل أن يكون استثناء من قوله : { لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ } أي : لا يجيرني منه ويخلصني إلا إبلاغي الرسالة التي أوجب أداءها عليّ ، كما قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } [ المائدة : 67 ] {[29387]}

وقوله : { وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا } أي : أنما أبلغكم رسالة الله ، فمن يعص بعد ذلك فله جزاء على ذلك نار جهنم خالدين فيها أبدًا ، أي لا محيد لهم عنها ، ولا خروج لهم منها .


[29387]:- (3) في م : "فإن" وهو خطأ.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِلَّا بَلَٰغٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِسَٰلَٰتِهِۦۚ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَإِنَّ لَهُۥ نَارَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا} (23)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِلاّ بَلاَغاً مّنَ اللّهِ وَرِسَالاَتِهِ وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنّ لَهُ نَارَ جَهَنّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً * حَتّىَ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلّ عَدَداً } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل لمشركي العرب : إني لا أملك لكم ضرّا ولا رشدا إلاّ بَلاغا مِنَ اللّهِ وَرِسالاتِهِ يقول : إلاّ أن أبلغكم من الله ما أمرني بتبليغكم إياه ، وإلا رسالاته التي أرسلني بها إليكم فأما الرشد والخذلان ، فبيد الله ، هو مالكه دون سائر خلقه يهدى من يشاء ويخذل من أراد . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إلاّ بَلاغا مِنَ اللّهِ وَرِسالاتِهِ فذلك الذي أملك بلاغا من الله ورسالاته .

وقد يحتمل ذلك معنى آخر ، وهو أن تكون «إلا » حرفين ، وتكون «لا » منقطعة من «إن » فيكون معنى الكلام : قل إني لن يجيرني من الله أحد إن لم أبلغ رسالاته ويكون نصب البلاغ من إضمار فعل من الجزاء كقول القائل : إن لا قياما فقعودا ، وإن لا إعطاء فردّا جميلاً ، بمعنى : إن لا تفعل الإعطاء فردّا جميلاً .

وقوله : وَمَنْ يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فإنّ لَهُ نارَ جَهَنّمَ يقول تعالى ذكره : ومن يعص الله فيما أمره ونهاه ، ويكذّب به ورسوله ، فجحد رسالاته ، فإن له نار جهنم يصلاها خالِدِينَ فِيها أبَدا يقول : ماكثين فيها أبدا إلى غير نهاية .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِلَّا بَلَٰغٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِسَٰلَٰتِهِۦۚ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَإِنَّ لَهُۥ نَارَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا} (23)

إلا بلاغا من الله استثناء من قوله لا أملك فإن التبليغ إرشاد وإنفاع وما بينهما اعتراض مؤكد لنفي الاستطاعة أو من ملتحدا أو معناه أن لا أبلغ بلاغا وما قبله دليل الجواب ورسالاته عطف على بلاغا و من الله صفته فإن صلته عن كقوله صلى الله عليه وسلم بلغوا عني ولو آية ومن يعص الله ورسوله في الأمر بالتوحيد إذ الكلام فيه فإن له نار جهنم وقرئ فإن على فجزاؤه أن خالدين فيها أبدا جمعه للمعنى .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِلَّا بَلَٰغٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِسَٰلَٰتِهِۦۚ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَإِنَّ لَهُۥ نَارَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا} (23)

وقوله : { إلاّ بلاغاً من الله ورسالاته } استثناء منقطع من { ضرَّاً } و { رشداً } ، وليس متصلاً لأن الضر والرشد المنفيين في قوله : { لا أملك لكم ضراً ولا رشداً } هما الضر والرشد الواقعان في النفس بالإلجاء .

ويجوز أن يكون مع ذلك استثناء من { ملتحداً } ، أي بتأويل { ملتحداً } بمعنى مخلص أو مأمن .

وهذا الاستثناء من أسلوب تأكيد الشيء بما يشبه ضده .

والبلاغ : اسم مصدر بلغ ، أي أوصل الحديث أو الكلام ، ويطلق على الكلام المبلغ من إطلاق المصدر على المفعول مثل { هذا خلق الله } [ لقمان : 11 ] .

و { مِن } ابتدائية صفة ( بلاغ ) ، أي بلاغاً كائناً من جانب الله ، أي إلاّ كلاماً أبلغه من القرآن الموحى من الله .

و { رسالاته } : جمع رسالة ، وهي ما يرسل من كلام أو كتاب فالرسالات بلاغ خاص بألفاظ مخصوصة ، فالمراد منها هنا تبليغ القرآن .

لما كان قوله : { قال إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحداً } [ الجن : 20 ] إلى هنا كلاماً متضمناً أنهم أشركوا وعاندوا الرسول صلى الله عليه وسلم حينَ دعاهم إلى التوحيد واقترحوا عليه ما توهموه تعجيزاً له من ضروب الاقتراح ، أعقب ذلك بتهديدهم ووعيدهم بأنهم إن داموا على عصيان الله ورسوله سيلقون نار جهنم لأن كل من يعصي الله ورسوله كانت له نار جهنم .

و { مَن } شرطية وجواب الشرط قوله : { فإن له نار جهنم .