تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{مِن قَبۡلُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ ٱلۡفُرۡقَانَۗ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٞ ذُو ٱنتِقَامٍ} (4)

{ مِنْ قَبْلُ } أي : من قبل هذا القرآن . { هُدًى لِلنَّاسِ } أي : في زمانهما { وَأَنزلَ الْفُرْقَانَ } وهو الفارق بين الهدى والضلال ، والحق والباطل ، والغي والرشاد ، بما يذكره الله تعالى من الحجج والبينات ، والدلائل الواضحات ، والبراهين القاطعات ، ويبينه ويوضحه ويفسره ويقرره ، ويرشد إليه وينبه عليه من ذلك .

وقال قتادة والربيع بن أنس : الفرقان هاهنا القرآن . واختار ابن جرير أنه مصدر هاهنا ؛ لتقدم ذكر القرآن في قوله : { نزلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } وهو القرآن . وأما ما رواه ابن أبي حاتم عن أبي صالح أن المراد هاهنا بالفرقان : التوراة فضعيف أيضًا ؛ لتقدم ذكرها ، والله أعلم

وقوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ } أي : جحدوا بها وأنكروها ، وردّوها بالباطل { لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } أي : يوم القيامة { وَاللَّهُ عَزِيزٌ } أي : منيع الجناب عظيم السلطان { ذُو انْتِقَامٍ } أي : ممن كذب بآياته{[4732]} وخالف رسله الكرام ، وأنبياءه العظام .


[4732]:في جـ، ر: "آياته".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{مِن قَبۡلُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ ٱلۡفُرۡقَانَۗ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٞ ذُو ٱنتِقَامٍ} (4)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ نَزّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ * مِن قَبْلُ هُدًى لّلنّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنّ الّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ }

يقول جلّ ثناؤه : يا محمد إن ربك وربّ عيسى ورب كل شيء ، هو الرب الذي أنزل عليك { الكِتَابَ } يعني بالكتاب : القرآن . { بالحقّ } يعني بالصدق فيما اختلف فيه أهل التوراة والإنجيل ، وفيما خالفك فيه محاجوك من نصارى أهل نجران ، وسائر أهل الشرك غيرهم . { مُصَدّقا لما بَيْنَ يَدَيْهِ } يعني بذلك القرآن ، أنه مصدّق لما كان قبله من كتب الله التي أنزلها على أنبيائه ورسله ، ومحقق ما جاءت به رسل الله من عنده ، لأن منزل جميع ذلك واحد ، فلا يكون فيه اختلاف ، ولو كان من عند غيره كان فيه اختلاف كثير .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { مُصَدّقا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } قال : لما قبله من كتاب أو رسول .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { مُصَدّقا لِمَا بَينَ يَدَيْهِ } لما قبله من كتاب أو رسول .

حدثني محمد بن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : ثني محمد بن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : { نَزّلَ عَلَيْكَ الكِتابَ بالحَقّ } أي بالصدق فيما اختلفوا فيه .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { نَزّلَ عَلَيْكَ الكِتابَ بالحَقّ مصَدّقا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } يقول : القرآن مصدّقا لما بين يديه من الكتب التي قد خلت قبله .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : ثني ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : { نَزّلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ بالحَقّ مُصَدّقا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } يقول : مصدّقا لما قبله من كتاب ورسول .

القول في تأويل قوله تعالى : { وَأنْزَلَ التّوْرَاةَ والإنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدًى للنّاسِ } .

يعني بذلك جل ثناؤه : وأنزل التوراة على موسى ، والإنجيل على عيسى . { مِنْ قَبْلُ } يقول : من قبل الكتاب الذي نزّله عليك . ويعني بقوله : { هُدًى للنّاسِ } بيانا للناس من الله ، فيما اختلفوا فيه من توحيد الله وتصديق رسله ، ومفيدا يا محمد أنك نبيي ورسولي ، وفي غير ذلك من شرائع دين الله . كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وأنْزَلَ التّوْراة والإنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدًى للنّاسِ } هما كتابان أنزلهما الله ، فيما بيان من الله ، وعصمة لمن أخذ به وصدق به وعمل بما فيه .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : { وأنْزلَ التّوْراةَ والإنْجِيلَ } التوراة على موسى ، والإنجيل على عيسى ، كما أنزل الكتب على من كان قبلهما .

القول في تأويل قوله تعالى : { وأنْزَلَ الفُرْقانَ } .

يعني جل ثناؤه بذلك : وأنزل الفصل بين الحقّ والباطل ، فيما اختلفت فيه الأحزاب وأهل الملل في أمر عيسى وغيره . وقد بينا فيما مضى أن الفُرقان إنما هو الفُعلان من قولهم : فرق الله بين الحقّ والباطل يفصل بينهما بنصره بالحق على الباطل¹ إما بالحجة البالغة ، وإما بالقهر والغلبة بالأيدي والقوّة .

وبما قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، غير أن بعضهم وجه تأويله إلى أنه فصل بين الحق والباطل في أمر عيسى ، وبعضهم إلى أنه فصل بين الحق والباطل في أحكام الشرائع . ذكر من قال : معناه : الفصل بين الحقّ والباطل في أمر عيسى والأحزاب :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : { وأنْزلَ الفُرْقانَ } أي الفصل بين الحقّ والباطل ، فيما اختلف فيه الأحزاب من أمر عيسى وغيره .

ذكر من قال : معنى ذلك الفصل بين الحقّ والباطل في الأحكام وشرائع الإسلام :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وَأَنْزَلَ الفُرْقَانَ } هو القرآن أنزله على محمد وفرق به بين الحقّ والباطل ، فأحلّ فيه حلاله ، وحرّم فيه حرامه ، وشرع فيه شرائعه ، وحدّ فيه حدوده ، وفرض فيه فرائضه ، وبين فيه بيانه ، وأمر بطاعته ، ونهى عن معصيته .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : { وأنْزلَ الفُرْقانَ } قال : الفرقان : القرآن فرق بين الحقّ والباطل .

والتأويل الذي ذكرناه عن محمد بن جعفر بن الزبير في ذلك ، أولى بالصحة من التأويل الذي ذكرناه عن قتادة والربيع ، وأن يكون معنى الفرقان في هذا الموضع : فصل الله بين نبيه محمد صلى الله عليه وسلم والذي حاجوه في أمر عيسى وفي غير ذلك من أموره بالحجة البالغة القاطعة عُذْرَهم وعُذْرَ نظرائهم من أهل الكفر بالله .

وإنما قلنا هذا القول أولى بالصواب ، لأن إخبار الله عن تنزيله القرآن قبل إخباره عن تنزيله التوراة والإنجيل في هذه الاَية قد مضى بقوله : { نَزّلَ عَلَيْكَ الكِتابَ بالحَقّ مُصَدّقا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } ولا شك أن ذلك الكتاب هو القرآن لا غيره ، فلا وجه لتكريره مرّة أخرى ، إذ لا فائدة في تكريره ، ليست في ذكره إياه وخبره عنه ابتداء .

القول في تأويل قوله تعالى : { إنّ الّذِينَ كَفَرُوا بآياتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ، وَاللّهُ عَزِيزٌ ذو انْتِقام } .

يعني بذلك جل ثناؤه : إن الذين جحدوا أعلام الله وأدلته على توحيده وألوهته ، وأن عيسى عبد له واتخذوا المسيح إلها وربا ، أو ادّعوه لله ولدا ، { لهم عَذَابٌ } من الله { شَدِيدٌ } يوم القيامة ، والذين كفروا هم الذين جحدوا آيات الله . وآيات الله : أعلام الله وأدلته وحُججه .

وهذا القول من الله عزّ وجلّ ، ينبىء عن معنى قوله : { وأنْزَلَ الفُرْقَانَ } أنه معنيّ به الفصل الذي هو حجة لأهل الحقّ على أهل الباطل لأنه عقب ذلك بقوله : { إنّ الّذِينَ كَفَرُوا بآياتِ اللّهِ } يعني : أن الذين جحدوا ذلك الفصل والفرقان الذي أنزله فرقا بين المحقّ والمبطل ، { لهمْ عذابٌ شديدٌ } وعيد من الله لمن عاند الحقّ بعد وضوحه له ، وخالف سبيل الهدى بعد قيام الحجة عليه . ثم أخبرهم أنه عزيز في سلطانه لا يمنعه مانع ممن أراد عذابه منهم ، ولا يحول بينه وبينه حائل ، ولا يستطيع أن يعانده فيه أحد ، وأنه ذو انتقام ممن جحد حججه وأدلته ، بعد ثبوتها عليها ، وبعد وضوحها له ومعرفته بها . )

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : { إنّ الّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامِ } أي أن الله منتقم ممن كفر بآياته بعد علمه بها ، ومعرفته بما جاء منه فيها .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : { إنّ الّذِينَ كَفَرُوا بآياتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقام } .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مِن قَبۡلُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ ٱلۡفُرۡقَانَۗ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٞ ذُو ٱنتِقَامٍ} (4)

{ من قبل } من قبل تنزيل القرآن . { هدى للناس } على العموم إن قلنا إنا متعبدون بشرع من قبلنا ، وإلا فالمراد به قومهما . { وأنزل الفرقان } يريد به جنس الكتب الإلهية ، فإنها فارقة بين الحق والباطل . ذكر ذلك بعد ذكر الكتب الثلاثة ليعم ما عداها ، كأنه قال : وأنزل سائر ما يفرق به بين الحق والباطل ، أو الزبور أو القرآن . وكرر ذكره بما هو نعت له مدحا وتعظيما ، وإظهارا لفضله من حيث إنه يشاركهما في كونه وحيا منزلا ويتميز بأنه معجز يفرق بين المحق والمبطل ، أو المعجزات { إن الذين كفروا بآيات الله } من كتبه المنزلة وغيرها . { لهم عذاب شديد } بسبب كفرهم . { والله عزيز } غالب لا يمنع من التعذيب . { ذو انتقام } لا يقدر على مثله منتقم ، والنقمة عقوبة المجرم والفعل منه نقم بالفتح والكسر ، وهو وعيد جيء به بعد تقرير التوحيد والإشارة إلى ما هو العمدة في إثبات النبوة تعظيما للأمر ، وزجرا عن الإعراض عنه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مِن قَبۡلُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ ٱلۡفُرۡقَانَۗ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٞ ذُو ٱنتِقَامٍ} (4)

وقوله تعالى : { من قبل } يعني من قبل القرآن{[2926]} ، وقوله : { هدى للناس } معناه دعاء ، والناس بنو إسرائيل في هذا الموضع ، لأنهم المدعوون بهما لا غير ، وإن أراد أنهما { هدى } في ذاتهما مدعو إليه فرعون وغيره ، منصوب{[2927]} لمن اهتدى به ، فالناس عام في كل من شاء حينئذ أن يستبصر .

قال القاضي رحمه الله : وقال هنا { للناس } ، وقال في القرآن { هدى للمتقين } ، وذلك{[2928]} عندي ، لأن هذا خبر مجرد ، وقوله : { هدى للمتقين } [ البقرة : 2 ] خبر مقترن به الاستدعاء والصرف إلى الإيمان ، فحسنت الصفة ، ليقع من السامع النشاط والبدار ، وذكر الهدى الذي هو إيجاد الهداية في القلب ، وهنا إنما ذكر الهدى الذي هو الدعاء ، والهدى الذي هو في نفسه معد يهتدي به الناس ، فسمي { هدى } لذلك ، وقال ابن فورك{[2929]} : التقدير هنا هدى للناس المتقين ، ويرد هذا العام إلى ذلك الخاص ، وفي هذا نظر ، و { الفرقان } : القرآن ، سمي بذلك لأنه فرق بين الحق والباطل ، قال محمد بن جعفر ، فرق بين الحق والباطل في أمر عيسى عليه السلام ، الذي جادل فيه الوفد ، وقال قتادة والربيع وغيرهما ، فرق بين الحق والباطل في أحكام الشرائع ، وفي الحلال والحرام ونحوه ، و { الفرقان } يعم هذا كله ، وقال بعض المفسرين ، { الفرقان } هنا كل أمر فرق بين الحق والباطل ، فيما قدم وحدث ، فيدخل في هذا التأويل طوفان نوح ، وفرق البحر لغرق فرعون ، ويوم بدر ، وسائر أفعال الله تعالى المفرقة بين الحق والباطل ، فكأنه تعالى ذكر الكتاب العزيز ، ثم التوراة والإنجيل ، ثم كل أفعاله ومخلوقاته التي فرقت بين الحق والباطل ، كما فعلت هذه الكتب ، ثم توعد{[2930]} تعالى الكفار عموماً بالعذاب الشديد ، وذلك يعم عذاب الدنيا بالسيف والغلبة ، وعذاب الآخرة بالنار ، والإشارة بهذا الوعيد إلى نصارى نجران ، وقال النقاش : إلى اليهود ، كعب بن الأشرف ، وكعب بن أسد ، وبني أخطب وغيرهم{[2931]} ، و { عزيز } ، معناه غالب ، وقد ذل له كل شيء ، والنقمة والانتقام ، معاقبة المذنب بمبالغة في ذلك .


[2926]:- في بعض النسخ: الفرقان.
[2927]:- في بعض النسخ؛ مقصور.
[2928]:- في بعض النسخ: وهذا.
[2929]:- ابن فورك: هو أبو بكر محمد بن الحسن، وهو بضم الفاء وفتح الراء، متكلم أصولي أديب نحوي، أصبهاني الأصل، أقام بالعراق مدة يدرس العلم وغادرها إلى الري ثم إلى نيسابور ثم إلى غزنة، وبلغت مصنفاته في أصول الفقه والدين ومعاني القرآن قريبا من مائة، توفي سنة 406هـ، (ابن خلكان 4/272، والوافي للصفدي 2/344، وطبقات السبكي 3/52، وتبيين كذب المفتري 232).
[2930]:-أشار الزمخشري في تفسيره إلى السر في التعبير عن تنزيل القرآن بقوله: [نزّل] على صيغة (فعّل)- والتعبير في تنزيل التوراة والإنجيل بقوله: [أنزل] على صيغة (أفعل) فقال: "لأن القرآن نزل منجما، ونزل الكتابان جملة- ونزول القرآن منجما جعله أكثر تنزيلا لتفرقه في مرات عدة فعبّر عنه بصيغة المبالغة والتكثير وهي (فعّل)" –لكن يرد على ذلك أن الزمخشري حمل [الفرقان] في أحد تأويلاته على أنه [القرآن]- وقد عبر الله سبحانه عنه بصيغة (أفعل)] كغيره حين قال: [وأنزل الفرقان]- وأجاب بعض المحققين عن ذلك فقال: إنه لما عبّر أولا عن نزوله الخاص به أتى بعبارة مطابقة لقصد الخصوصية، فلما جرى ذكره ثانيا لينعت بصفة زائدة على اسم الجنس عبّر عن نزوله من حيث الإطلاق اكتفاء بتميزه أولا، وإجمالا لذلك في غير مقصوده- ومن العبارات السائدة عن هذا المعنى: (الكلام يُجمل في غير مقصوده، ويفصل في مقصوده)-1هـ "الكشاف 1/411".
[2931]:- في خبر كعب بن الأشرف وهجائه للرسول ثم مقتله، انظر ابن هشام 2/51؛ فأما كعب بن أسد فكان من يهود بني قريظة الذين نصبوا العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بغيا وحسدا وضغنا، وهو صاحب عقد بني قريظة الذي نقض عام الأحزاب-قدم لقومه النصائح يوم أن حاصرهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه: وهو من جملة من نفذ فيهم حكم سعد بن معاذ (ابن هشام 27/20). وأما أبناء أخطب فهم: حيي، وأبو ياسر، وجدي، وكلهم من يهود بني النضير، والمراد بقوله: (وابني أخطب) حيي وأبو ياسر.