غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{مِن قَبۡلُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ ٱلۡفُرۡقَانَۗ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٞ ذُو ٱنتِقَامٍ} (4)

1

ومعنى قوله { من قبل } أي من قبل أن ينزل القرآن . و { هدى للناس } إما أن يكون عائداً إلى الكتابين فقط فيكون قد وصف القرآن بأنه حق ، ووصف التوراة والإنجيل بأنهما هدى . وإنما لم يوصف القرآن بأنه هدى مع أنه قال في أول البقرة { هدى للمتقين }[ البقرة : 2 ] لأن المناظرة ههنا مع النصارى وهم لا يهتدون بالقرآن ، فذكر أنه حق في نفسه سواء قبلوه أو لم يقبلوه ، وأما الكتابان فهم قائلون بصحتهما فخصهما بالهداية لذلك ، وإما أن يكون راجعاً إلى الكتب الثلاثة وهو قول الأكثرين . { وأنزل الفرقان } قيل : أي جنس الكتب السماوية لأنها كلها تفرق بين الحق والباطل . وقيل : أي الكتب التي ذكرها كأنه وصفها بوصف آخر فيكون كما قال :

إلى الملك القرم وابن الهمام*** وليث الكتيبة في المزدحم

وقيل : أي الكتاب الرابع وهو الزبور ، وزيف بأن الزبور ليس فيه شيء من الشرائع والأحكام وإنما هو مواعظ ، ويحتمل أن يجاب بأن غاية المواعظ هي التزام الأحكام المعلومة فيؤل إلى ذلك . وقيل : كرر ذكر القرآن بما هو مدح له ونعت بعد ذكره باسم الجنس تفخيماً لشأنه وإظهاراً لفضله . وفي التفسير الكبير : إنه تعالى لما ذكر الكتب الثلاثة بيّن أنه أنزل معها ما هو الفرقان الحق وهو المعجز الباهر الذي يدل على صحتها ، ويفيد الفرق بينها وبين كلام المخلوقين . ثم إنه تعالى بعد ذكر الإلهيات والنبوات زجراً لمعرضين عن هذه الدلائل وهم أولئك النصارى أو كل من أعرض عن دلائله فإن خصوص السبب لا يمنع عموم اللفظ فقال { إن الذين كفروا بآيات الله } من كتبه المنزلة وغيرها من دلائله { لهم عذاب شديد والله عزيز } لا يغالب إذ لا حد لقدرته { ذو انتقام } عقاب شديد لا يقدر على مثله منتقم . فالتنكير للتعظيم . وانتقمت منه إذا كافأته عقوبة بما صنع . فالعزيز إشارة إلى القدرة التامة على العقاب ، وذو انتقام إشارة إل كونه فاعلاً للعقاب . فالأول صفة الذات ، والثاني صفة الفعل .

/خ11