فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{مِن قَبۡلُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ ٱلۡفُرۡقَانَۗ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٞ ذُو ٱنتِقَامٍ} (4)

( من قبل ) أي قبل تنزيل الكتاب يعني القرآن ( هدى ) حال أو مفعول له ( للناس ) والمراد بالناس أهل الكتابين او ما هو أعم لأن هذه الأمة متعبدة بما لم ينسخ من الشرائع ، قال ابن فورك للناس المتقين ( وأنزل الفرقان ) الفارق بين الحق والباطل وهو القرآن ، وكرر ذكره تشريفا له مع ما يشتمل عليه هذا الذكر الآخر من الوصف له بأنه يفرق بين الحق والباطل .

قال قتادة فأحل فيه حلاله وحرم فيه حرامه ، وشرع فيه شرائعه وحد فيه حدوده وفرض فيه فرائضه ، وبين فيه بيانه ، وأمر بطاعته ونهى عن معصيته .

وقال محمد بن جعفر بن الزبير أي الفصل بين الحق والباطل فيما اختلف فيه الأحزاب من أمر عيسى وغيره ، وذكر التنزيل أولا والإنزال ثانيا لكونه جامعا بين الوصفين فإنه أنزل إلى سماء الدنيا جملة ثم نزل منها إلى النبي صلى الله عليه وسلم مفرقا منجما على حسب الحوادث كما سبق ، وقيل إنهما لمجرد التعدية والجمع بينهما للتفنن وهو الأولى ، وقيل أراد بالفرقان جميع الكتب المنزلة من الله تعالى على رسله وقيل الزبور لاشتماله على المواعظ الحسنة والأول أولى .

( ان الذين كفروا ) قيل أراد بهم نصارى وفد نجران كفروا بالقرآن وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وقيل إن خصوص السبب لا يمنع عموم اللفظ فهو يتناول كل من كفر بشئ من آيات الله ( بآيات الله ) أي بما يصدق عليه انه آية من الكتب المنزلة وغيرها أو بما في الكتب المنزلة المذكورة على وضع آيات الله موضع الضمير العائد إليها ، وفيه بيان الأمر الذي استحقوا به الكفر .

( لهم ) بسبب هذا الكفر ( عذاب شديد ) أي عظيم في الدنيا بالسيف وفي الآخرة بالخلود في النار ( والله عزيز ) لا يغالبه مغالب ( ذو انتقام ) عظيم النقمة والسطوة ، يقال انتقم منه إذا عاقبه بسبب ذنب قد تقدم منه ، وقال محمد بن جعفر بن الزبير أي إن الله ينتقم ممن كفر بآياته بعد علمه بها ومعرفته بما جاء منه فيها . {[297]}


[297]:وحين قدم وفد نجران الى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ستين راكبا فيهم العاقب والسيد وخاصموه في عيسى عليه السلام. فقالوا: إن لم يكن ولد الله فمن أبوه؟ فنزلت فيهم هذه الآيات.