فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{مِن قَبۡلُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ ٱلۡفُرۡقَانَۗ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٞ ذُو ٱنتِقَامٍ} (4)

وقوله : { مِن قَبْلُ } أي : أنزل التوراة ، والإنجيل من قبل تنزيل الكتاب . وقوله : { هُدًى للنَّاسِ } إما حال من الكتابين ، أو علة للإنزال . والمراد بالناس : أهل الكتابين ، أو ما هو أعمّ ؛ لأن هذه الأمة متعبدة بما لم ينسخ من الشرائع . قال ابن فورك : هدى للناس المتقين ، كما قال في البقرة : { هدى للمتقين } [ البقرة : 2 ] ، قوله : { وَأَنزَلَ الفرقان } أي : الفارق بين الحق ، والباطل ، وهو القرآن ، وكرر ذكره تشريفاً له مع ما يشتمل عليه هذا الذكر الآخر من الوصف له بأنه يفرق بين الحق ، والباطل ، وذكر التنزيل أولاً ، والإنزال ثانياً لكونه جامعاً بين الوصفين ، فإنه أنزل إلى سماء الدنيا جملة ، ثم نزل منها إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم مفرّقاً منجماً على حسب الحوادث كما سبق . وقيل : أراد بالفرقان جميع الكتب المنزلة من الله تعالى على رسله ، وقيل : أراد الزبور لاشتماله على المواعظ الحسنة ، وقوله : { إِنَّ الذين كَفَرُوا بآيات الله } أي : بما يصدق عليه أنه آية من الكتب المنزلة وغيرها ، أو بما في الكتب المنزلة وغيرها أو بما في الكتب المنزلة المذكورة على وضع آيات الله موضع الضمير العائد إليها ، وفيه بيان الأمر الذي استحقوا به الكفر { لَهُمْ } بسبب هذا الكفر { عَذَابٌ شَدِيدٌ } أي : عظيم { والله عَزِيزٌ } لا يغالبه مغالب { ذُو انتقام } عظيم ، والنقمة : السطوة ، يقال : انتقم منه : إذا عاقبه بسبب ذنب قد تقدّم منه .

/خ6