لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{مِن قَبۡلُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ ٱلۡفُرۡقَانَۗ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٞ ذُو ٱنتِقَامٍ} (4)

{ هدى للناس } يعني أن إنزال التوراة والإنجيل قبل القرآن كان هدى للناس . فإن قلت كيف وصف القرآن في أول البقرة بأنه هدى للمتقين ووصف هنا التوراة والإنجيل بأنهما هدى للناس . قلت إنما وصف القرآن بأنه هدى للمتقين لأنهم هم الذين انتفعوا به وتبعوه ووصف هنا التوراة والإنجيل بأنهما هدى للناس لأن المناظرة كانت مع نصارى نجران وهم يعتقدون صحة التوراة والإنجيل فلهذا السبب قال هنا { هدى للناس } وقيل إن قوله هدى للناس يعود إلى الكتب الثلاثة يعني القرآن المتقدم ذكره والتوراة والإنجيل وإنما وصف هذه الكتب بأنها هدى للناس لما فيها من الشرائع والأحكام { وأنزل الفرقان } يعني الفارق بين الحق والباطل قيل أراد به القرآن وإنما أعاد ذكره تعظيماً لشأنه ومد حاله لكونه فارقاً بين الحق والباطل وقيل إنما أعاد ذكره ليبين أنه تعالى أنزله بعد التوراة والإنجيل ليجعله فارقاً بين ما اختلف فيه اليهود والنصارى في أمر عيسى عليه السلام وقيل المراد به الكتب الثلاثة لأنها كلها هدى للناس ومفرقة بين الحلال والحرام والحق والباطل . وقال السدي : في الآية تقديم وتأخير تقديره وأنزل التوراة والإنجيل والفرقان هدى للناس { إن الذين كفروا بآيات الله } يعني الكتب المنزلة وغيرها قيل أراد بهم نصارى وفد نجران كفروا بالقرآن وبمحمد صلى الله عليه وسلم وقيل إن خصوص السبت لا يمنع عموم اللفظ فهو يتناول كل من كفر بشيء من آيات الله تعالى : { لهم عذاب شديد والله عزيز } أي غالب لا يغلب { ذو انتقام } يعني ممن كفر به والانتقام المبالغة في العقوبة .