تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يُوفُونَ بِٱلنَّذۡرِ وَيَخَافُونَ يَوۡمٗا كَانَ شَرُّهُۥ مُسۡتَطِيرٗا} (7)

وقوله : { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا } أي : يتعبدون لله فيما أوجبه عليهم من [ فعل ]{[29590]} الطاعات الواجبة بأصل الشرع ، وما أوجبوه على أنفسهم بطريق النذر .

قال الإمام مالك ، عن طلحة بن عبد الملك الأيلي ، عن القاسم بن مالك ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يَعصي الله فلا يَعصِه " ، رواه البخاري من حديث مالك{[29591]} .

ويتركون المحرمات التي نهاهم عنها خيفة من سوء الحساب يوم المعاد ، وهو اليوم الذي شره مستطير ، أي : منتشر عام على الناس إلا من رَحِمَ الله .

قال ابن عباس : فاشيًا . وقال قتادة : استطار - والله - شرّ ذلك اليوم حتى مَلأ السماوات والأرض .

قال ابن جرير : ومنه قولهم : استطار الصدع في الزجاجة واستطال . ومنه قول الأعشى :

فَبَانَتْ وَقَد أسْأرت في الفُؤا *** د صَدْعًا ، على نَأيها مُستَطيرًا{[29592]}

يعني : ممتدا فاشيا .


[29590]:- (3) زيادة من م، أ.
[29591]:- (1) صحيح البخاري برقم (6696، 6700).
[29592]:- (2) تفسير الطبري (29/129).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يُوفُونَ بِٱلنَّذۡرِ وَيَخَافُونَ يَوۡمٗا كَانَ شَرُّهُۥ مُسۡتَطِيرٗا} (7)

القول في تأويل قوله تعالى : { يُوفُونَ بِالنّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرّهُ مُسْتَطِيراً * وَيُطْعِمُونَ الطّعَامَ عَلَىَ حُبّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً } .

يقول تعالى ذكره : إن الأبرار الذين يشربون من كأس كان مزاجها كافورا ، برّوا بوفائهم لله بالنذور التي كانوا ينذرونها في طاعة الله . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : يُوفُونَ بالنّذْرِ قال : إذا نذروا في حق الله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يُوفُونَ بالنّذْرِ قال : كانوا ينذرون طاعة الله من الصلاة والزكاة ، والحجّ والعمرة ، وما افترض عليهم ، فسماهم الله بذلك الأبرار ، فقال : يُوفُونَ بالنّذْرِ ويَخافُونَ يَوْما كانَ شَرّهُ مُسْتَطِيرا .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة يُوفُونُ بالنّذْرِ قال : بطاعة الله ، وبالصلاة ، وبالحجّ ، وبالعمرة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، قوله : يُوفُونَ بالنّذْرِ قال : في غير معصية .

وفي الكلام محذوف اجتزىء بدلالة الكلام عليه منه ، وهو كان ذلك . وذلك أن معنى الكلام : إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا ، كانوا يوفون بالنذر ، فترك ذكر كانوا لدلالة الكلام عليها والنذر : هو كلّ ما أوجبه الإنسان على نفسه من فعل ومنه قول عنترة :

الشّاتِمَيْ عِرْضِي وَلمْ أشْتُمْهُما *** والنّاذِرَيْنَ إذا لَمْ ألْقَهُما دَمي

وقوله : وَيخافُونَ يَوْما كانَ شَرّهُ مُسْتَطِيرا يقول تعالى ذكره : ويخافون عقاب الله بتركهم الوفاء بما نذروا لله من برّ في يوم كان شرّه مستطيرا ، ممتدّا طويلاً فاشيا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَيخافُونَ يَوْما كانَ شَرّهُ مُسْتَطِيرا استطاروا الله شرّ ذلك اليوم حتى ملأ السموات والأرض .

وأما رجل يقول عليه نذر أن لا يصل رحما ، ولا يتصدّق ، ولا يصنع خيرا ، فإنه لا ينبغي أن يكفر عنه ، ويأتي ذلك ، ومنه قولهم : استطار الصدع في الزجاجة واستطال : إذا امتدّ ، ولا يقال ذلك في الحائط ومنه قول الأعشى :

فَبانَتْ وَقد أثأرَتْ فِي الفُؤَا *** دِ صَدْعا عَلى نَأَيِها مُسْتَطِيرَا

يعني : ممتدّا فاشيا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يُوفُونَ بِٱلنَّذۡرِ وَيَخَافُونَ يَوۡمٗا كَانَ شَرُّهُۥ مُسۡتَطِيرٗا} (7)

يوفون بالنذر استئناف ببيان ما رزقوه لأجله كأنه سئل عنه فأجيب بذلك وهو أبلغ في وصفهم بالتوفر على أداء الواجبات لأن من وفى بما أوجبه على نفسه لله تعالى كان أوفى بما أوجبه الله تعالى عليه ويخافون يوما كان شره شدائده مستطيرا فاشيا غاية الانتشار من استطار الحريق والفجر وهو أبلغ من طار وفيه إشعار بحسن عقيدتهم واجتنابهم عن المعاصي .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يُوفُونَ بِٱلنَّذۡرِ وَيَخَافُونَ يَوۡمٗا كَانَ شَرُّهُۥ مُسۡتَطِيرٗا} (7)

وصف الله تعالى حال الأبرار أنهم كانوا { يوفون بالنذر } ، أي بكل ما نذروه وأعطوا به عهداً{[11504]} ، يقال وفى الرجل وأوفى ، و «اليوم » المشار إليه يوم القيامة ، و { مستطيراً } معناه متصلاً شائعاً كاستطارة الفجر والصدع في الزجاجة ، وبه شبه في القلب ، ومن ذلك قول الأعشى : [ المتقارب ]

فبانت وقد أسأرت في الفؤاد*** صدعاً على نأيها مستطيرا{[11505]}

وقول ذي الرمة : [ الوافر ]

أراد الظاعنون لحيزنوني*** فهاجوا صدع قلبي فاستطاروا{[11506]}


[11504]:النذر هو إيجاب المكلف على نفسه من الطاعات ما لو لم يوجبه لم يلزمه، فهو يوجب على نفسه شيئا غير واجب عليه، وقد قال قتادة: المراد: يوفون بما فرض الله عليهم من الصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة وغيره من الواجبات، ويقوي هذا قوله تعالى: (ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم) أي أعمال نسكهم التي ألزموا بها أنفسهم حين أحرموا بالحج، ومعنى هذا أن النذر يندرج فيه ما التزمه المرء بإيمانه من امتثال أمر الله، قال ذلك القشيري ونقله عنه القرطبي.
[11505]:هذا البيت من قصيدة قالها الأعشى يمدح هوذة بن علي الحنفي، وبعده يقول: كصدع الزجاجة ما تستطيـ ـع كف الصناع لها أن تحيرا والبين: البعد والفراق، والصدع: الشق في الشيء الصلب، ثم استعمل في القلب تجوزا، والنأي: البعد، ومستطيرا: منتشرا شائعا، والصناع: الماهر في الصنعة، وأن تحيرا: أن تصلحها وترجعها كما كانت، والشاهد استعمال كلمة مستطيرا بمعنى الانتشار والاستطالة في بيان ما يحدثه ألم الفراق في القلب تشبيها له بالزجاجة. والبيت في الطبري، وابن كثير، والقرطبي، والشوكاني.
[11506]:الحزن: نقيض الفرح، وتقول: حزنني وأحزنني، وصدع القلب كناية عما حدث فيه من آلام وأحزان، واستطار: انتشر وتشعب واستطال، والشاهد هو ما ذكرناه في البيت السابق.