السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يُوفُونَ بِٱلنَّذۡرِ وَيَخَافُونَ يَوۡمٗا كَانَ شَرُّهُۥ مُسۡتَطِيرٗا} (7)

ولما ذكر جزاءهم ذكر وصفهم الذي يستحقون عليه ذلك بقوله تعالى : { يوفون بالنذر } وهذا يجوز أن يكون مستأنفاً ويجوز أن يكون خبراً لكان مضمرة . قال الفراء : التقدير : كانوا يوفون بالنذر في الدنيا وكانوا يخافون . وقال الزمخشري : يوفون جواب من عسى يقول : ما لهم يرزقون ذلك . قال أبو حيان : واستعمل عسى صلة لمن وهو لا يجوز ، وأتى بالمضارع بعد عسى غير مقرون بأن وهو قليل أو في الشعر ، والوفاء بالنذر مبالغة في وصفهم بالتوفر على أداء الواجبات لأنّ من وفّى بما أوجبه هو على نفسه لوجه الله تعالى كان بما أوجبه الله تعالى عليه أوفى ، وقال الكلبي : { يوفون بالنذر } أي : يتممون العهود لقوله تعالى : { وأوفوا بعهد الله } [ النمل : 91 ] { أوفوا بالعقود } [ المائدة : 1 ] أمروا بالوفاء بها لأنهم عقدوها على أنفسهم باعتقادهم الإيمان . قال القرطبي : والنذر حقيقة ما أوجبه المكلف على نفسه من شيء يفعله ، وإن شئت قلت في حدّه : هو إيجاب المكلف على نفسه من الطاعات ما لو لم يوجبه لم يلزمه . وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال : «من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه » .

ولما دل وفاؤهم على سلامة طباعهم قال تعالى عاطفاً دلالة على جمعهم للأمرين المتعاطفين ، فهم يفعلون الوفاء لا لأجل شيءٍ بل لكرم الطبع . { ويخافون } أي : مع فعلهم للواجبات { يوماً } قال ابن عبد السلام : شرّ يوم أو أهوال يوم { كان } أي : كوناً هو في جبلته { شرّه } أي : ما فيه من الشدائد { مستطيراً } أي : فاشياً منتشراً غاية الانتشار من استطار الحريق والفجر وهو أبلغ من طار . وقال قتادة رضي الله عنه : كان شرّه فاشياً في السماوات فانشقت وتناثرت الكواكب وكوّرت الشمس والقمر وفزعت الملائكة ونسفت الجبال وغارت المياه وتكسر كل شيء على الأرض من جبل وبناء ، وفي ذلك إشعار بحسن عقيدتهم وإحسانهم واجتنابهم عن المعاصي فإن الخوف أدل دليل على عمارة الباطن ، قالوا : ما فارق الخوف قلباً إلا خرب ، ومن خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل .

فإن قيل : لم قال تعالى : { كان شرّه } ولم يقل سيكون ؟ أجيب : بأنه كقوله تعالى : { أتى أمر الله } [ النحل : 1 ] فبما قيل في ذاك يقال هنا .