فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يُوفُونَ بِٱلنَّذۡرِ وَيَخَافُونَ يَوۡمٗا كَانَ شَرُّهُۥ مُسۡتَطِيرٗا} (7)

وجملة { يوفون بالنذر } مستأنفة مسوقة لبيان ما لأجله رزقوا ما ذكر ، وكذا ما عطف عليها ، ومعنى النذر في اللغة الإيجاب ، والمعنى يوفون بما أوجبه الله عليهم من الطاعات ، قال قتادة ومجاهد : يوفون بطاعة الله من الصلاة والحج ونحوهما ، وفيه مبالغة في وصفهم بالتوفيق على أداء الواجبات لأن من وفى بما أوجبه هو على نفسه لوجه الله تعالى كان بما أوجب الله عليه أوفى .

وقال عكرمة : يوفون إذا نذروا في حق الله سبحانه ، والنذر في الشرع ما أوجبه المكلف على نفسه ، فالمعنى يوفون بما أوجبوه على أنفسهم ( {[1670]} ) .

قال الفراء : في الكلام إضمار أي كانوا يوفون بالنذر في الدنيا ، وقال الكلبي : يوفون بالنذر أي يتممون العهود لقوله تعالى { وأوفوا بعهد الله } وقوله : { أوفوا بالعقود } أمروا بالوفاء بهما لأنهم عقدوهما على أنفسهم باعتقادهم الإيمان ، والأولى حمل النذر هنا على ما أوجبه العبد على نفسه من غير تخصيص .

{ ويخافون يوما كان شره مستطيرا } المراد يوم القيامة ، ومعنى استطارة شره فشوه وانتشاره غاية الانتشار ، يقال استطار يستطير فهو مستطير ، وهو استفعل من الطيران ، والعرب تقول استطار الصدع في القارورة والزجاجية إذا امتد ويقال استطار الحريق إذا انتشر ، وهو أبلغ من طار ، قال الفراء : المستطير المستطيل ، قال قتادة استطار شر ذلك اليوم حتى ملأ السماوات والأرض .

قال مقاتل كان شره فاشيا في السماوات فانشقت وتناثرت الكواكب وكورت الشمس والقمر وفزعت الملائكة ، وفي الأرض نسفت الجبال وغارت المياه ، وفي الآية إشارة لحسن عقيدتهم واجتنابهم المعاصي .


[1670]:قال ابن كثير: وقوله تعالى: {يوفون بالنذر} أي: يتعبدون الله فيما أوجبه عليهم من فعل الطاعات الواجبة بأصل الشرع وما أوجبوه على أنفسهم بطريق النذر. قال الإمام مالك في "الموطأ" 2/476 عن طلحة بن عبد الملك الأيلي عن القاسم بن محمد بن الصديق عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه" ورواه البخاري في صحيحه "كتاب الأيمان والنذور": باب النذر في الطاعة من حديث مالك.