تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُل لَّا يَعۡلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلۡغَيۡبَ إِلَّا ٱللَّهُۚ وَمَا يَشۡعُرُونَ أَيَّانَ يُبۡعَثُونَ} (65)

يقول تعالى آمرًا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول معلمًا لجميع الخلق : أنه لا يعلم أحد من أهل السموات والأرض الغيب . وقوله : { إِلا اللَّهَ } استثناء منقطع ، أي : لا يعلم أحد ذلك إلا الله ، عز وجل ، فإنه المنفرد بذلك وحده ، لا شريك له ، كما قال : { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ } الآية [ الأنعام : 59 ] ، وقال : { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [ لقمان : 34 ] ، والآيات في هذا كثيرة .

وقوله : { وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } أي : وما يشعر الخلائق الساكنون في السموات والأرض بوقت الساعة ، كما قال : { ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً } [ الأعراف : 187 ] ، أي : ثقل علمها على أهل السموات والأرض .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا علي بن الجَعْد ، حدثنا أبو جعفر الرازي ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : مَنْ زعم أنه يعلم - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - ما يكون في غد فقد أعظم على الله الفِرْية ؛ لأن الله تعالى يقول : { لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ } {[22133]} .

وقال قتادة : إنما جعل الله هذه النجوم لثلاث خصلات{[22134]} : جعلها زينة للسماء ، وجعلها يهتدى بها ، وجعلها رجومًا [ للشياطين ]{[22135]} ، فمن تعاطى فيها غير ذلك فقد قال برأيه ، وأخطأ حظه ، وأضاع نصيبه وتكلَّف ما لا علم له به . وإن ناسًا جَهَلَة بأمر الله ، قد{[22136]} أحدثوا من هذه النجوم كهانة : من أعْرَس بنجم كذا وكذا ، كان كذا وكذا . ومَنْ سافر بنجم كذا وكذا ، كان كذا وكذا . ومَنْ ولد بنجم كذا وكذا ، كان كذا وكذا . ولعمري ما من نجم إلا يولد به الأحمر والأسود ، والقصير والطويل ، والحسن والدميم ، وما علْمُ هذا النجم وهذه الدابة وهذا الطير بشيء من الغيب ! وقضى الله : أنه لا يعلم مَنْ في السموات والأرض الغيب إلا الله ، وما يشعرون أيان يبعثون .

رواه ابن أبي حاتم عنه بحروفه ، وهو كلام جليل متين صحيح .


[22133]:- أصله في الصحيحين لكن فيهما الشاهد قوله تعالى : (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا) بدل هذه الآية : (قل لا يعلم من في السموات).
[22134]:- في ف ، أ : "خصال".
[22135]:- زيادة من ف ، أ.
[22136]:- في ف ، أ : "فقد".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُل لَّا يَعۡلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلۡغَيۡبَ إِلَّا ٱللَّهُۚ وَمَا يَشۡعُرُونَ أَيَّانَ يُبۡعَثُونَ} (65)

القول في تأويل قوله تعالى : { قُل لاّ يَعْلَمُ مَن فِي السّمَاواتِ والأرْضِ الْغَيْبَ إِلاّ اللّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ * بَلِ ادّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الاَخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكّ مّنْهَا بَلْ هُم مّنْهَا عَمُونَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قُلْ يا محمد لسائليك من المشركين عن الساعة متى هي قائمة : لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السّمَوَاتِ وَالأرْضِ الْغَيْبَ الذي قد استأثر الله بعلمه ، وحجب عنه خلقه غيره والساعة من ذلك ، وَما يَشْعَرُونَ يقول : وما يدري من في السموات والأرض من خلقه متى هم مبعوثون من قبورهم لقيام الساعة . وقد :

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا داود بن أبي هند ، عن الشعبيّ ، عن مسروق ، قال : قالت عائشة : من زعم أنه يخبر الناس بما يكون في غد ، فقد أعظم على اللّهِ الفِرْيَةَ ، والله يقول : لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السّمَواتِ والأرْضِ الغَيْبَ إلاّ اللّهُ .

واختلف أهل العربية في وجه رفع الله ، فقال بعض البصريين : هو كما تقول : إلا قليل منهم . وفي حرف ابن مسعود : قليلاً بدلاً من الأوّل ، لأنك نفيته عنه وجعلته للاَخر . وقال بعض الكوفيين : إن شئت أن تتوهم في «من » المجهول ، فتكون معطوفة على : قل لا يعلم أحد الغيب إلا الله . قال : ويجوز أن تكون «من » معرفة ، ونزل ما بعد «إلا » عليه ، فيكون عطفا ولا يكون بدلاً ، لأن الأوّل منفي ، والثاني مثبت ، فيكون في النسق كما تقول : قام زيد إلا عمرو ، فيكون الثاني عطفا على الأوّل ، والتأويل جحد ، ولا يكون أن يكون الخبر جحدا ، أو الجحد خبرا . قال : وكذلك مَا فَعَلُوهُ إلاّ قَلِيلٌ وقليلاً من نَصَب ، فعلى الاستثناء في عبادتكم إياه ، ومن رَفَع فعلى العطف ، ولا يكون بدلاً .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُل لَّا يَعۡلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلۡغَيۡبَ إِلَّا ٱللَّهُۚ وَمَا يَشۡعُرُونَ أَيَّانَ يُبۡعَثُونَ} (65)

{ قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله } لما بين اختصاصه تعالى بالقدرة التامة الفائقة العامة اتبعه ما هو كاللازم له ، وهو التفرد بعلم الغيب والاستثناء منقطع ، ورفع المستثنى على اللغة التميمية للدلالة على انه تعالى إن كان ممن في السماوات والأرض ففيها من يعلم الغيب مبالغة في نفيه عنهم ، أو متصل على أن المراد ممن في السماوات والأرض من تعلق علمه بها واطلع عليها اطلاع الحاضر فيها ، فإنه يعم الله تعالى وأولي العلم من خلقه وهو موصول أو موصوف . { وما يشعرون أيان يبعثون } متى ينشرون مركبة من " أي " " وآن " ، وقرئت بكسر الهمزة والضمير لمن وقيل للكفرة .