تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{ٱلۡخَبِيثَٰتُ لِلۡخَبِيثِينَ وَٱلۡخَبِيثُونَ لِلۡخَبِيثَٰتِۖ وَٱلطَّيِّبَٰتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَٰتِۚ أُوْلَـٰٓئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَۖ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ} (26)

قال ابن عباس : الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال ، والخبيثون من الرجال للخبيثات من القول . والطيبات من القول ، للطيبين من الرجال ، والطيبون من الرجال للطيبات من القول . قال : ونزلت في عائشة وأهل الإفك .

وهكذا رُوي عن مجاهد ، وعطاء ، وسعيد بن جُبَير ، والشعبي ، والحسن بن أبي الحسن البصري ، وحبيب بن أبي ثابت ، والضحاك . واختاره ابن جرير ، ووجَّهَهُ بأن الكلام القبيح أولى بأهل القبح من الناس ، والكلام الطيب أولى بالطيبين من الناس ، فما نسبه أهل النفاق إلى عائشة هم

أولى به ، وهي أولى بالبراءة والنزاهة منهم ؛ ولهذا قال : { أُولَئِكَ{[20971]} مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ } .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال ، والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء ، والطيبات من النساء للطيبين من الرجال ، والطيبون من الرجال للطيبات من النساء .

وهذا - أيضًا - يرجع إلى ما قاله أولئك باللازم ، أي : ما كان الله ليجعل عائشة زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهي طيبة ؛ لأنه أطيب من كل طيب من البشر ، ولو كانت خبيثة لما صلحت له ، لا شرعا ولا قدرا ؛ ولهذا قال : { أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ } أي : هم بُعَداء عما يقوله أهل الإفك والعدوان ، { لَهُمْ مَغْفِرَةٌ } أي : بسبب ما قيل فيهم من الكذب ، { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } أي : عند الله في جنات النعيم . وفيه وعد بأن تكون زوجة النبيّ صلى الله عليه وسلم في الجنة .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن مسلم ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا عبد السلام بن حرب ، عن يزيد بن عبد الرحمن ، عن الحكم ، عن يحيى بن الجزار قال : جاء أسير{[20972]} بن جابر إلى عبد الله فقال : لقد سمعت الوليد بن عقبة تكلم بكلام أعجبني . فقال عبد الله : إن الرجل المؤمن يكون في قلبه الكلمة غير طيبة{[20973]} تتجلجل في صدره ما تستقر حتى يلفظها ، فيسمعها{[20974]} رجل عنده يَتُلّها فيضمها إليه . وإن الرجل الفاجر يكون في قلبه الكلمة الطيبة تتجلجل في صدره ما تستقر حتى يلفظها ، فيسمعها{[20975]} الرجل الذي عنده يَتُلُّها{[20976]} فيضمها إليه ، ثم قرأ عبد الله : { الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ } .

ويشبه هذا ما رواه الإمام أحمد في المسند مرفوعا : " مثل الذي يسمع الحكمة ثم لا يُحدِّث إلا بشرِّ ما سمع ، كمثل رجل جاء إلى صاحب غنم ، فقال : أجْزِرني شاة . فقال : اذهب فَخُذ بأذُن أيها شئتَ . فذهب فأخذ بأذن كَلْب الغنم " {[20977]} وفي الحديث الآخر : " الحكمة{[20978]} ضالة المؤمن حيث وجدها أخذها " {[20979]} .


[20971]:- في ف ، أ : "فأولئك" وهو خطأ".
[20972]:- في ف ، أ : "أسيد".
[20973]:- في أ : "طائل".
[20974]:- في أ : "فسمعها".
[20975]:- في أ : "فسمعها".
[20976]:- في أ : "مثلها".
[20977]:- المسند (2/353) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[20978]:- في أ : "الكلمة".
[20979]:- رواه الترمذي في السنن برقم (2687) وابن ماجه في السنن برقم (4169) من طريق عبد الله بن نمير ، عن إبراهيم بن الفضل ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه. وقال الترمذي : "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وإبراهيم ابن الفضل المدني المخزومي ، يضعف في الحديث من قبل حفظه".