غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ٱلۡخَبِيثَٰتُ لِلۡخَبِيثِينَ وَٱلۡخَبِيثُونَ لِلۡخَبِيثَٰتِۖ وَٱلطَّيِّبَٰتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَٰتِۚ أُوْلَـٰٓئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَۖ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ} (26)

11

ثم ختم الآيات الواردة في أهل الإفك بكلمة جامعة وهي قوله { الخبيثات } يعني الكلمات التي تخبث مواردها ويستقذرها من يخاطب بها ويمجها سمعه ككلمات أهل الإفك ، ويجوز أن يراد بالخبيثات مضمون الآيات الواردة في وعيد القذفة لأن مضمونها ذم ولعن وهو يستكره طبعاً وإن كان نفس الكلمة التي هي من قبل الله سبحانه طيباً . وعلى الوجهين يراد بالخبيثين الرجال والنساء جميعاً إلا أنه غلب الرجال . والحاصل أن الخبيثات من القول تقال أو تعد للخبيثين من الرجال والنساء ، والخبيثون من الصنفين للخبيثات من القول وكذلك الطيبات والطيبون { أولئك } الطيبون { مبرؤن مما } يقول الخبيثون من خبيثات الكلم . قال جار الله : هو كلام جارٍ مجرى المثل لعائشة وما رميت به من قول لا يطابق حالها في النزاهة والطيب ، وجوز بقرينة الحال أن يكون { أولئك } إشارة إلى أهل البيت عليهم السلام وأنهم مبرؤون مما يقول أهل الإفك . وفي الآية قول آخر وهو أن يراد بالخبيثات النساء الخبائث ، وبالخبيثين الرجال الذين هم أشكال لهن فيكون أول الآية نظير قوله { الزاني لا ينكح إلا زانية } وكذلك الكلام في أهل الطيب ولا أطيب من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون أزواجه مثله فلذلك أخبر عن حالهن بقوله { لهم مغفرة ورزق كريم } وقد مر تفسير الرزق الكريم في " الحج " نظيره قوله في الأحزاب { واعتدنا لها رزقاً كريماً } [ الآية : 31 ] وفي الآية دلالة على أن عائشة من أهله الجنة . وقال بعض الشيعة : هذا الوعد مشروط باجتناب الكبائر وقد فعلت عائشة من البغي يوم الجمل ما فعلت ، والصحيح عند العلماء إنها رجعت عن ذلك الاجتهاد وتابت . عن عائشة : لقد أعطيت تسعاً من أعطيتهن امرأة : لقد نزل جبريل عليه السلام بصورتي في راحته حين أمر النبي أن يتزوجني ، ولقد تزوجني بكراً وما تزوج بكراً غيري ، ولقد توفي وإن رأسه لفي حجري ، ولقد قبر في بيتي ، ولقد حفته الملائكة في بيتي ، وإن الوحي لينزل عليه في أهله فيتفرقون عنه وإن كان لينزل عليه وأنا معه في لحافه ، وإني لابنة خليفته وصدّيقه ، ولقد نزل عذري من السماء ، ولقد خلقت طيبة عند طيب ، ولقد وعدت مغفرة ورزقاً كريماً . وعن بعضهم : برأ الله أربعة بأربعة : برأ يوسف بلسان الشاهد { وشهد شاهد من أهلها } [ يوسف : 26 ] وبرأ موسى من قول اليهود فيه بالحجر الذي ذهب بثوبه ، وبرأ مريم بإنطاق ولدها حين نادى من حجرها إلى عبد الله ، وبرأ عائشة بهذه الآيات العظام في كتابه المتلو على وجه الدهر مثل هذه التبرئة بهذه المبالغات ، فانظر كم بينها وبين تبرئة أولئك وما ذاك إلا لإظهار علو منزلة سيد الأولين والآخرين وحجة الله على العالمين .

/خ26