تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ٱلۡخَبِيثَٰتُ لِلۡخَبِيثِينَ وَٱلۡخَبِيثُونَ لِلۡخَبِيثَٰتِۖ وَٱلطَّيِّبَٰتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَٰتِۚ أُوْلَـٰٓئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَۖ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ} (26)

الآية 26 : وقوله تعالى : ]الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات[ اختلف فيه : قال : بعضهم ]الخبيثات[ من الكلمات ( ( للخبيثين[ من الناس ){[13818]} ] والطيبات[ من الكلمات ]للطيبين[ من الناس ]والطيبون[ من الناس ]للطيبات[ من الكلمات .

وقال مجاهد : هو القول السيئ والقول الحسن ، فالحسن للمؤمنين والسيء للكافرين ؛ وذلك ما قال : الكافرون ( بريئون من كل ){[13819]} كلمة طيبة ، هي{[13820]} للمؤمنين ، وما قال : المؤمنون بريئون{[13821]} كل خبيثة ، هي للكافرين ، كل بريء مما ليس له نحو من الكلام .

ثم قال : ]أولئك[ يعني عائشة وصفوان ]مبرءون مما[ يقول أولئك القذفة ]لهم مغفرة ورزق كريم[ أي حسن فابن عباس صرف الآية إلى عائشة وصفوان وإلى قذفهم ؛ وذلك محتمل ، وهو قريب من الأول .

وقال بعضهم : ]الخبيثات[ من النساء ]للخبيثين[ من الرجال ، ]والخبيثون[ من الرجال ]للخبيثات[ من النساء ، ]والطيبات[ من النساء ]للطيبين[ من الرجال . لكن هذا يتوجه إلى النكاح شرعا ووجودا .

أما الشرع ( فهو ){[13822]} نهيه المؤمنين عن نكاح المشركات بقوله : ]ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا[ ( البقرة : 221 ) وقوله : ]الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة[ ( النور : 3 ) فالمشركات من الخبيثات ، هن لخبيثين منهم ، وهم المشركون . وكذلك الزانيات للزناة منهم ، والمؤمنات ، هن الطيبات ، فهن للمؤمنين . وكذلك المحصنات الغافلات ، هن الطيبات ، فهن للمحصنين من أهل العفاف والصلاح . هذا ، هو الشرع .

وأما الوجود ، فهو ما صبر أزواج المنافقين والكفرة على كفر أزواجهن ، والسب لرسول الله ، والأذى له ؛ وذلك لخبثهن وكفرهن وموافقة أزواجهن . فلو كن طيبات لكن لا يصبرن على ذلك كما لا تصبر المؤمنة ( على كفر ){[13823]} زوجها ( ولا يصبر الزوج على كفر ){[13824]} امرأته .

ومن صبر على ذلك فإنما صبر لخبثه ؛ فبعضهم لبعض أكفاء : الخبيثات للخبيثين ، والخبيثون للخبيثات ، وكذلك الطيبات والطيبون ، والله أعلم .

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ( أنه ){[13825]} قال : قال : إن الكلمة الخبيثة لتكون في جوف الرجل الصالح ، فلا يكون لها في قلبه مستقر حتى يلفظها ، فيسمعها الرجل الخبيث ، فيضمها إلى ما عنده من الشر ، وإن الكلمة الصالحة لتكون في جوف الرجل الخبيث ، فلا يكون لها في قلبه مستقر حتى يلفظها ، فيسمعها الرجل الصالح ، فيضمها إلى ما عنده من الخير ، ثم تلا عبد الله : ]الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطبيات للطيبين والطيبون للطيبات[ الآية .

وجائز أن يكون الخبيثات هي الدركات التي تكون في النار للذين عملوا أعمالا خبيثة في الدنيا ، والطيبات هي الدرجات التي تكون في الجنة للطيبين الذين عملوا في الدنيا . /365-ب/

فالدرجات في الجنة للطيبين الذين عملوا الطيبات في الدنيا والدركات في النار للذين عملوا الخبائث والمعاصي .

وقال بعضهم : قوله : ]إن الذين يرمون المحصنات[ إلى قوله : ]ويعلمون أن الله هو الحق[ أنزل{[13826]} في المنافقين الذين قذفوا عائشة ( وهم ){[13827]} عبد الله بن أبي ( بن سلول ){[13828]} وأصحابه .

وكان قذفها منافقون ومؤمنون ، وهو ما ذركنا أن المؤمنين لم يقصدوا به قذفها ، ولكن كان ذلك زلة منهم أو غفلة . وأما المنافقون فقد قصدوا به القذف والفِرية .

فأوجب للمنافقين الحد واللعن والعذاب العظيم على ما ذكر : ]لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم[ ( النور : 23 ) ، ]لهم عذاب أليم[ ( النور : 19 ) .

وأما المؤمنون فقال لهم : ]ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم[ ( النور : 14 ) . وقال بعضهم : فضله الإسلام ورحمته القرآن ، أي لولا ذلك لعذبكم كما عذب أولئك .

ثم قال ( بعضهم : قوله ){[13829]} ]الخبيثات[ من القول ( والعمل ){[13830]} ]للخبيثين[ من الناس كما ذكر أولئك . إلا أنه زاد فيه : والعمل{[13831]} . وذلك كله قريب بعضه ( من بعض ){[13832]} والله أعلم بذلك .

وقال ( بعضهم ){[13833]} : إن الرجل الصالح يتكلم بالكلمة العوراء ، فيقول القائل : قال فلان كذا وكذا ، فيقول الآخر : ما هذا من كلام فلان .

وروي عن أبي ( بن كعب أنه قال مثل قول عبد الله بن مسعود ){[13834]} : إن الكلمة الخبيثة ، تخرج من لسان العبد ، فتصعد إلى السماء ، فلا تفتح لها أبواب السماء ، وترجع إلى الأرض ، فلا تجد لها مستقرا ، وتذهب إلى البحور ، فلا تجد لها مكانا ، فتقول : ما أجد لي موضعا أسكنه غير الموضع الذي خرجت منه ، فترجع إلى صاحبها . ثم تلا كعب هذه الآية : ]الخبيثات للخبيثين[ الآية .


[13818]:في الأصل وم :والقول.
[13819]:في الأصل وم: من.
[13820]:في الأصل وم: فهي.
[13821]:ساقطة من الأصل وم.
[13822]:ساقطة من الأصل وم.
[13823]:في الأصل وم: يصير.
[13824]:في الأصل وم: والزوج بكفر.
[13825]:ساقطة من الأصل وم.
[13826]:في الأصل: أنزلت، في م:نزلت.
[13827]:ساقطة من الأصل وم.
[13828]:ساقطة من الأصل وم.
[13829]:ساقطة من الأصل وم.
[13830]:ساقطة من الأصل وم.
[13831]:ادرج قبلها في الأصل وم: من القول.
[13832]:في الأصل وم: ببعض.
[13833]:ساقطة من الأصل وم.
[13834]:في الأصل وم بمثل قبل عبد الله فقال.