فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{ٱلۡخَبِيثَٰتُ لِلۡخَبِيثِينَ وَٱلۡخَبِيثُونَ لِلۡخَبِيثَٰتِۖ وَٱلطَّيِّبَٰتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَٰتِۚ أُوْلَـٰٓئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَۖ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ} (26)

{ الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ { 26 ) }

{ الخبيثات للخبيثين } الزوجات أو الكلمات السيئات للسيئين

{ والطيبون للطيبات } الأزواج أو المتكلمون الخيرون للزوجات أو الكلمات الصالحات .

{ أولئك مبرءون مما يقولون } الذين عفوا منزهون عن الدنس الذي يرميهم به الخبثاء .

{ ورزق كريم } لهم مع النجاة من العقاب أكرم المآب وعظيم الثواب في الجنة ، يرزقون فيها بغير حساب .

من زاغ عن الحق والرشد والبر أزاغ الله قلبه ، ومن نسي مولاه أنساه ربنا نفسه ، ومن خبث لا يخرج إلا سوءا ونكدا ، ومن فسد باطنه ترجم لسانه عن طويته ، كما قال الشاعر :

ومهما تكن امرئ من خليقة *** وإن خالها تخفى على الناس تعلم .

فالكلمات والنعوت القبيحة ملازمة للخبثاء من الناس ذكورهم وإناثهم ؛ يقول حكيم : إنك لا تجني من الشوك العنب ؛ ويقول آخر : وكل إناء بالذي فيه ينضح ؛ وأما من حسنت سريرته من الناس من رجل أو امرأة فإنه مهدي إلى الطيب من القول والفعل ، وليس المؤمن بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء ، إذ قد جاءته من ربه الموعظة : { . . وقولوا للناس حسنا . . ){[2489]} وضرب الله تعالى الأمثال لقوم يتفكرون : { ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء . تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ){[2490]} { أولئك مبرءون مما يقولون } أولئك المصطفون الأخيار منزهون عما يقول المجرمون والمفترون ، وهم بحسن المآب وعظيم الثواب فائزون { يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم . خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم ){[2491]}مما قال الطبري : وقال آخرون : بل معنى ذلك الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال ، والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء . . قال ابن زيد في قوله : { الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات } قال : نزلت في عائشة حين رماها المنافق بالبهتان والفرية فبرأها الله من ذلك ، وكان عبد الله بن أبي هو خبيث وكان أولى بأن تكون له الخبيثة ويكون لها ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم طيبا وكان أولى أن تكون له الطيبة ، وكانت عائشة الطيبة وكان أولى أن يكون لها الطيب { أولئك مبرءون مما يقولون } قال : ههنا برئت عائشة { لهم مغفرة ورزق كريم } وأولى هذه الأقوال في تأويل الآية قول من قال : عني بالخبيثات : الخبيثات من القول وذلك قبيحه وسيئه للخبيثين من الرجال والنساء ، والخبيثون من الناس للخبيثات من القول هم بها أولى ، لأنهم أهلها ، والطيبات من القول وذلك حسنه وجميله للطيبين من الناس ، والطيبون من الناس للطيبات من القول ، لأنهم أهلها وأحق بها ؛ وإنما قلنا : هذا القول أولى بتأويل الآية لأن الآيات قبل ذلك إنما جاءت بتوبيخ الله القائلين في عائشة الإفك ، والرامين المحصنات الغافلات المؤمنات ، وإخبارهم ما خصهم به على إفكهم فكان ختم الخبر عن أولى الفريقين بالإفك من الرامي والمرمي به أشبه من الخبر عن غيرهم ، . . وقد قيل : عني بقوله : { أولئك مبرءون مما يقولون } عائشة وصفوان بن المعطل الذي رميت به ، فعلى هذا القول قيل : { أولئك } فجمع ، والمراد ذانك ، كما قيل ، { . . فإن كان له إخوة . . ){[2492]} . . اه .


[2489]:سورة البقرة. من الآية 83.
[2490]:سورة إبراهيم. الآيتان 24، 25.
[2491]:سورة التوبة. الآيتان: 21، 2.
[2492]:سورة النساء. من الآية 11.