الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{ٱلۡخَبِيثَٰتُ لِلۡخَبِيثِينَ وَٱلۡخَبِيثُونَ لِلۡخَبِيثَٰتِۖ وَٱلطَّيِّبَٰتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَٰتِۚ أُوْلَـٰٓئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَۖ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ} (26)

أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { الخبيثات } قال من الكلام { للخبيثين } قال : من الرجال { والخبيثون } من الرجال { للخبيثات } من الكلام { والطيبات } من الكلام { للطيبين } من الناس { والطيبون } من الناس { للطيبات } من الكلام . نزلت في الذين قالوا في زوجة النبي صلى الله عليه وسلم ما قالوا من البهتان .

وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني عن مجاهد في قوله { الخبيثات } قال من الكلام { للخبيثين } من الناس { والخبيثون } من الناس { للخبيثات } من الكلام { والطيبات } من الكلام { للطيبين } من الناس { والطيبون } من الناس { للطيبات } من الكلام ( أولئك مبرأون مما يقولون ) قال : من كان طيباً فهو مبرأ من كل قول خبيث لقوله يغفر الله له . ومن كان خبيثاً فهو مبرأ من كل قول صالح يقوله يرده الله عليه لا يقبله منه .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والطبراني عن قتادة في قوله { الخبيثات } قال : من القول والعمل { للخبيثين } من الناس { والخبيثون } من الناس { للخبيثات } من القول والعمل { والطيبات } من القول والعمل { للطيبين } من الناس { والطيبون } من الناس { للطيبات } من القول والعمل { لهم مغفرة } لذنوبهم { ورزق كريم } هو الجنة .

وأخرج عبد بن حميد عن الحسن { للخبيثات } قال : من الكلام { والطيبات } من الكلام { للطيبين } من الناس { والطيبون } من الناس { للطيبات } من الكلام وهؤلاء { مبرأون مما } يقال لهم من السوء يعني عائشة .

وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير عن الضحاك وإبراهيم . مثله .

وأخرج عبد بن حميد عن عطاء { الخبيثات } قال : من القول { للخبيثين } من الناس { والخبيثون } من الناس { للخبيثات } من القول { والطيبات } من القول { للطيبين } من الناس { والطيبون } من الناس { للطيبات } من القول . ألا ترى أنك تسمع بالكلمة الخبيثة من الرجل الصالح فتقول غفر الله لفلان ما هذا من خلقه ، ولا من شيمه ، ولا مما يقول . قال الله { أولئك مبرأون مما يقولون } أن يكون ذلك من شيمهم ، ولا من أخلاقهم ، ولكن الزلل قد يكون .

وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى الجزار قال : جاء أسير بن جابر إلى عبد الله فقال : قد سمعت الوليد بن عقبة اليوم تكلم بكلام أعجبني فقال عبد الله : إن الرجل المؤمن يكون في فيه الكلمة غير طيبة تتجلجل في صدره ما تستقر حتى يلفظها ، فيسمعها رجل عنده مثلها ، فيضمها إليها . وأن الرجل الفاجر تكون في قلبه الكلمة الطيبة تتجلجل في صدره ما تستقر حتى يلفظها ، فيسمعها الرجل الذي عنده مثلها ، فيضمها إليها . ثم قرأ عبد الله { الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات } .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن زيد في قوله { الخبيثات للخبيثين } قال : نزلت عائشة حين رماها المنافق بالبهتان والفرية فبرأها الله من ذلك ، وكان عبد الله بن أبي هو الخبيث ، فكان هو أولى بأن تكون له الخبيثة ويكون لها ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم طيباً ، وكان أولى أن تكون له الطيبة ، وكانت عائشة الطيبة ، فكانت أولى أن يكون لها الطيب ، وفي قوله { أولئك مبرأون مما يقولون } قال : ههنا برئت عائشة .

وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت : لقد نزل عذري من السماء ، ولقد خلقت طيبة وعند طيب ، ولقد وعدت مغفرة وأجراً عظيماً .

وأخرج الطبراني عن ذكوان حاجب عائشة قال : دخل ابن عباس على عائشة فقال : ابشري ما بينك وبين أن تلقي محمداً والأحبة إلا أن تخرج الروح من الجسد ، كنت أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله ، ولم يكن يحب رسول الله إلا طيباً ، وسقطت قلادتك ليلة الأبواء ، فأنزل الله أن { تيمموا صعيداً طيباً } [ النساء : 43 ] وكان ذلك بسببك ، وما أنزل الله لهذه الأمة من الرخصة ، وأنزل الله براءتك من فوق سبع سموات جاء بها الروح الأمين فأصبح وليس مسجد من مساجد الله يذكر الله فيه إلا هي تتلى فيه آناء الليل وآناء النهار قالت : دعني منك يا ابن عباس ، فوالذي نفسي بيده لوددت أني كنت نسياً منسياً .

وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : « إذا كان يوم القيامة حد الله الذين قذفوا عائشة ثمانين ثمانين على رؤوس الخلائق ، فيستوهب ربي المهاجرين منهم ، فاستأمرك يا عائشة ، فسمعت عائشة الكلام وهي في البيت فبكت ثم قالت : والذي بعثك بالحق نبياً ، لَسُرُورُكَ أحب إليّ من سروري ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكاً وقال : إنها ابنة أبيها » .

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام » .

وأخرج الحاكم عن الزهري قال : « إن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام » .

وأخرج الحاكم عن الزهري قال : لو جمع علم الناس كلهم ، ثم علم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، لكانت عائشة أوسعهم علماً .

وأخرج الحاكم عن عروة قال ما رأيت أحداً أعلم بالحلال والحرام والعلم والشعر والطب من عائشة رضي الله عنها .

وأخرج الحاكم عن موسى بن طلحة قال : ما رأيت أحداً أفصح من عائشة رضي الله عنها .

وأخرج أحمد في الزهد والحاكم عن الأحنف قال : سمعت خطبة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والخطباء هلم جرا ، فما سمعت الكلام من فم مخلوق أفخم ولا أحسن منه من عائشة رضي الله عنها .

وأخرج سعيد بن منصور والحاكم عن مسروق أنه سئل أكانت عائشة تحسن الفرائض ؟ فقال : لقد رأيت الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونها عن الفرائض .

وأخرج الحاكم عن عطاء قال : كانت عائشة أفقه الناس ، وأعلم الناس ، وأحسن الناس رأياً في العامة .

وأخرج ابن أبي شيبة عن مسلم البطين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « عائشة زوجتي في الجنة » .

وأخرج ابن أبي شيبة عن عائشة قالت : خلال فيَّ سبع لم تكن في أحد من الناس إلا ما آتى الله مريم بنت عمران . والله ما أقول هذا لكي أفتخر على صواحبي قيل : وما هن ؟ قالت : نزل الملك بصورتي ، وتزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم لسبع سنين ، وأهديت إليه وأنا بنت تسع سنين ، وتزوجني بكراً لم يشركه فيَّ أحدٌ من الناس ، وأتاه الوحي وأنا وإياه في لحاف واحد ، وكنت من أحب الناس إليه ، ونزل فيَّ آيات من القرآن كادت الأمة تهلك فيهن ، ورأيت جبريل لم يره أحد من نسائه غيري ، وقبض لم يله أحد غير الملك وأنا .

وأخرج ابن أبي شيبة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : « إن جبريل يقرأ عليك السلام قالت عائشة : وعليه السلام ورحمة الله وبركاته » .

وأخرج ابن النجار في تاريخ بغداد من طريق أبي بكر محمد بن عمر البغدادي الحنبلي عن أبيه ، ثنا محمد بن الحسن الكاراني ، حدثني إبراهيم الخرجي قال : ضاق بي شيء من أمور الدنيا ، فدعوت بدعوات يقال لها دعاء الفرج فقلت : وما هي ؟ فقال : حدثني أبو عبد الله أحمد ابن محمد بن حنبل ، حدثني سفيان بن عيينة ، ثنا محمد بن واصل الأنصاري ، عن أبيه عن جده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كنت جالساً عند أم المؤمنين عائشة لأقر عينيها بالبراءة وهي تبكي فقالت : والله قد هجرني القريب والبعيد حتى هجرتني الهرة ، وما عرض عليَّ طعام ولا شراب ، فكنت أرقد وأنا جائعة ظامئة ، فرأيت في منامي فتى فقال لي : ما لك فقلت : حزينة مما ذكر الناس فقال : ادعي بهذه يفرج عنك فقلت : وما هي ؟ فقال : قولي يا سابغ النعم ، ودافع النقم ، ويا فارج الغمم ، ويا كاشف الظلم ، يا أعدل من حكم ، يا حسيب من ظلم . يا ولي من ظلم ، يا أول بلا بداية ، ويا آخر بلا نهاية ، يا من له اسم بلا كنية ، اللهم اجعل لي من أمري فرجاً ، ومخرجاً ، قالت : فانتبهت وأنا ريانة شبعانة ، وقد أنزل الله منه فرجي قال ابن النجار : خبر غريب .