تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{وَقَالَ إِنَّمَا ٱتَّخَذۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡثَٰنٗا مَّوَدَّةَ بَيۡنِكُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ ثُمَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكۡفُرُ بَعۡضُكُم بِبَعۡضٖ وَيَلۡعَنُ بَعۡضُكُم بَعۡضٗا وَمَأۡوَىٰكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّـٰصِرِينَ} (25)

{ وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا }

يقول لقومه مقرِّعا لهم وموبخا على سوء صنيعهم ، في عبادتهم الأوثان : إنما اتخذتم هذه لتجتمعوا على عبادتها في الدنيا ، صداقة وألفة منكم ، بعضكم لبعض في الحياة الدنيا . وهذا على قراءة من نصب { مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ } ، على أنه مفعول له ، وأما على قراءة الرفع فمعناه : إنما اتخاذكم{[22530]} هذا يُحَصّل لكم المودة في الدنيا فقط { ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } ينعكس هذا الحال ، فتبقى هذه الصداقة والمودة بَغْضَة وشنآنا ، ف { يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ } أي : تتجاحدون ما كان بينكم ، { وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا } أي : يلعن الأتباع المتبوعين ، والمتبوعون{[22531]} الأتباع ، { كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا } [ الأعراف : 38 ] ، وقال تعالى : { الأخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ } [ الزخرف : 67 ] ، وقال هاهنا { ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } أي : ومصيركم ومرجعكم بعد عرصات القيامة إلى النار ، وما لكم من ناصر ينصركم ، ولا منقذ ينقذكم من عذاب الله . وهذا حال الكافرين ، فأما المؤمنون فبخلاف ذلك .

قال{[22532]} ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن إسماعيل الأحْمَسي{[22533]} حدثنا أبو عاصم الثقفي [ حدثنا ]{[22534]} الربيع بن إسماعيل بن عمرو بن سعيد بن جعدة بن هُبَيْرة المخزومي ، عن أبيه ، عن جده{[22535]} عن أم هانئ - أخت علي بن أبي طالب - قالت : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : " أخبرِك أن الله تعالى يجمع الأولين والآخرين يوم القيامة في صعيد واحد ، فَمَنْ يدري أين الطرفان " {[22536]} ، فقالت الله ورسوله أعلم . " ثم ينادي مناد من تحت العرش : يا أهل التوحيد ، فيشرئبون " قال أبو عاصم : يرفعون رؤوسهم . " ثم ينادي : يا أهل التوحيد ، ثم ينادي الثالثة : يا أهل التوحيد ، إن الله قد عفا عنكم " قال : " فيقول الناس قد تعلق بعضهم ببعض في ظُلامات الدنيا - يعني : المظالم - ثم ينادي : يا أهل التوحيد ، ليعف بعضكم عن بعض ، وعلى الله الثواب " {[22537]} .


[22530]:- في ف ، أ : "إنما اتخذتم".
[22531]:- في ت ، ف : "المتبوعين" وهو خطأ.
[22532]:- في ت : "روى".
[22533]:- في أ : "الأحمصي".
[22534]:- زيادة من ف ، أ.
[22535]:- في ت : "بإسناده".
[22536]:- في ت ، ف : "الطرفين".
[22537]:- ورواه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (4803) من طريق محمد بن إسماعيل الأحمسي به ، وقال : "لا يروى عن أم هانئ إلا بهذا الإسناد ، تفرد به أبو عاصم". وقال الهيثمي في المجمع (10/355) : "فيه أبو عاصم - الربيع بن إسماعيل - منكر الحديث ، قاله أبو حاتم".