تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{أَوَلَمۡ يَتَفَكَّرُواْۗ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍۚ إِنۡ هُوَ إِلَّا نَذِيرٞ مُّبِينٌ} (184)

يقول تعالى : { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا } هؤلاء المكذبون بآياتنا { مَا بِصَاحِبِهِمْ } يعني محمدًا - صلوات الله وسلامه عليه{[12435]} { مِنْ جِنَّةٍ } أي : ليس به جنون ، بل هو رسول الله حقًا دعا إلى حق ، { إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ } أي : ظاهر لمن كان له قلب ولب يعقل به ويعي به ، كما قال تعالى : { وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ } [ التكوير : 22 ] ، وقال تعالى : { قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } [ سبأ : 46 ] يقول إنما أطلب منكم أن تقوموا لله قياما خالصا لله ، ليس فيه تعصب ولا عناد ، { مَثْنَى وَفُرَادَى } أي : مجتمعين ومتفرقين ، { ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا } في هذا الذي جاءكم بالرسالة من الله : أبه جنون أم لا ؟ فإنكم إذا فعلتم ذلك ، بان لكم وظهر أنه رسول [ الله ]{[12436]} حقًّا وصدقًا .

وقال قتادة بن دعامة : ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان على الصفا ، فدعا قريشًا فجعل يُفَخِّذهم فَخِذًا فَخِذًا : " يا بني فلان ، يا بني فلان " ، فحذرهم بأس الله ووقائع الله ، فقال قائلهم : إن صاحبكم هذا لمجنون . بات يصوت إلى الصباح - أو : حتى أصبح ، فأنزل الله تعالى : { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ }{[12437]}


[12435]:في أ: "صلى الله عليه وسلم"
[12436]:زيادة من د، ك، م، أ.
[12437]:?????