بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{أَوَلَمۡ يَتَفَكَّرُواْۗ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍۚ إِنۡ هُوَ إِلَّا نَذِيرٞ مُّبِينٌ} (184)

ثم قال تعالى : { أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُواْ } يعني : أهل مكة فيما يأمرهم محمد صلى الله عليه وسلم أن يعبدوا خالقهم ، ورازقهم ، وكاشف الضر عنهم ، ولا يعبدوا من لا يقدر على شيء منه أمثل هذا يكون مجنوناً . ويقال : معناه { أَوَ لَم يَتَفَكَّرُواْ } في دلائل النبي صلى الله عليه وسلم ومعجزاته ليستدلوا بأنه نبي وقد تم الكلام .

ثم استأنف فقال { مَا بِصَاحِبِهِم مّن جِنَّةٍ } ويقال : هذا على وجه البناء . ومعناه : أو لم يتفكروا ليعلموا { مَا بِصَاحِبِهِم مّن جِنَّةٍ } يعني : جنوناً . ويقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم صعد ذات ليلة الصفا ، فدعا قريشاً إلى عبادة الله تعالى بأسمائهم فرداً فرداً ، فقال بعضهم : إن صاحبكم لمجنون . فوعظهم الله تعالى فقال { أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُواْ } يقول : أو لم يجالسوه ويكلموه هل به من جنون { إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } أي رسولاً بيناً .

وهذا كقوله تعالى : { قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بواحدة أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مثنى وفرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بصاحبكم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } [ سبإ : 46 ] .