لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{أَوَلَمۡ يَتَفَكَّرُواْۗ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍۚ إِنۡ هُوَ إِلَّا نَذِيرٞ مُّبِينٌ} (184)

قوله سبحانه وتعالى : { أولم يتفكروا ما بصاحبهم } يعني محمداً صلى الله عليه وسلم { من جنة } يعني من جنون قال قتادة ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قام على الصفا ليلاً فجعل يدعو قريشاً فخذاً فخذاً «يا بني فلان يا بني فلان إني لكم نذير مبين » وكان يحذرهم بأس الله ووقائعه فقال قائلهم : إن صاحبكم هذا لمجنون بات يصوّت إلى الصباح فأنزل الله عز وجل : { أولم يتفكروا } والتفكر التأمل وإعمال الخاطر في عاقبة الأمر والمعنى أو لم يتفكروا فيعلموا ما بصاحبهم يعني محمداً صلى الله عليه وسلم من جِنة والجنة . حالة من الجنون وإدخال لفظة من في قوله من جنة يوجب أن لا يكون به نوع من أنواع الجنون وإنما نسبوه إلى الجنون وهو بريء منه لأنهم رأوا أنه صلى الله عليه وسلم خالفهم في الأقوال والأفعال لأنه كان معرضاً عن الدنيا ولذاتها مقبلاً على الآخرة ونعيمها مشتغلاً بالدعاء إلى الله عز وجل وإنذارهم بأسه ونقمته ليلاً ونهاراً من غير ملال ولا ضجر فعند ذلك نسبوه إلى الجنون فبرأه الله سبحانه وتعالى من الجنون فقال تعالى : { إن هو } يعني ما هو { إلا نذير مبين } ثم حثَّهم على النظر المؤدي إلى العلم بالوحدانية فقال سبحانه وتعالى : { أولم ينظروا } .