فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَوَلَمۡ يَتَفَكَّرُواْۗ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍۚ إِنۡ هُوَ إِلَّا نَذِيرٞ مُّبِينٌ} (184)

{ أو لم يتفكروا } الاستفهام للإنكار عليهم حيث لم يتفكروا في شأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفيما جاء به { ما بصاحبهم من جنة } ما للاستفهام الإنكاري والجنة مصدر أي وقع منهم التكذيب ولم يتفكروا أي شيء من جنون كائن بصاحبهم كما يزعمون ؟ فإنهم لو تفكروا لوجدوا زعمهم باطلا وقولهم زورا وبهتانا .

وقيل أي ليس بصاحبهم شيء مما يدعونه من الجنون فيكون هذا ردا لقولهم : [ يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون ] ويكون الكلام قد تم عند قوله { أو لم يتفكروا } والوقف عليه من الأوقاف الحسنة .

عن قتادة قال : ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قام على الصفا فدعا قريشا فخذا فخذا يا بني فلان يا بني فلان يحذره بأس الله ووقائع الله إلى الصباح حتى قال قائل : إن صاحبكم هذا لمجنون ، بات يصوت حتى فأنزل الله هذه الآية{[804]} .

وإنما نسبوه إلى الجنون وهو بريء منه لأنه صلى الله عليه وسلم خالفهم في الأقوال والأفعال لأنه كان معرضا عن الدنيا ولذاتها مقبلا على الآخرة ونعيمها مشتغلا بالدعاء إلى الله وإنذار بأسه ونقمته ليلا ونهارا من غير ملال ولا ضجر فعند ذلك نسبوه إلى جنون فبرأه الله من الجنون وقال { إن هو إلا نذير مبين } أي بين الإنذار والجملة مقررة لمضمون ما قبلها ومبينة لحقيقة حال رسول الله صلى الله عليه وسلم .


[804]:- رواه الطبري 13/ 289 وابن كثير 2/ 270.