الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{أَوَلَمۡ يَتَفَكَّرُواْۗ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍۚ إِنۡ هُوَ إِلَّا نَذِيرٞ مُّبِينٌ} (184)

قوله تعالى : { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ } : يجوز في " ما " أوجه ، أحدُها : أن تكونَ استفهاميةً في محلِّ رفع بالابتداء ، والخبر " بصاحبهم " أي : أيُّ شيء استقر بصاحبهم من الجنون ؟ فالجِنَّة مصدرٌ يُراد بها الهيئة كالرِّكبة والجِّلسة . وقيل : المراد بالجِنَّة الجنُّ كقوله : { مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ }

ولا بد حينئذ مِنْ حذف مضاف أي : مَسِّ جنة أو تخبيط جنة .

والثاني : أن " ما " نافية ، أي : ليس بصاحبهم جنون ولا مسُّ جِنّ . وفي هاتين الجملتين : أعني الاستفهاميةَ أو المنفية فيهما وجهان ، أظهرهما : أنها في محل نصب بعد إسقاطِ الخافض لأنهما عَلَّقا التفكُّر لأنه من أفعال القلوب . والثاني : أن الكلامَ تمَّ عند قوله : " أو لم يتفكروا " ثم ابتدأ كلاماً آخر : إمَّا استفهامَ إنكار وإمَّا نفياً . وقال الحوفي : " إنَّ " ما بصاحبهم " معلقةٌ لفعلٍ محذوف دلَّ عليه الكلامُ ، والتقدير : أو لم يتفكروا فيعلموا ما بصاحبهم " . قال : " وتفكَّر " لا يُعَلَّقُ لأنه لم يدخل على جملة " . وهذا ضعيفٌ ، لأنهم نَصُّواعلى أن فعلَ القلب المتعدِّي بحرفِ جر أو إلى واحد إذا عُلِّق هل يبقى على حاله أو يُضَمَّن ما يتعدَّى لاثنين ؟

الثالث : أن تكون " ما " موصولة بمعنى الذي تقديره : أو لم يتفكروا في الذي بصاحبهم ، وعلى هذا يكون الكلام خرج على زعمهم . وعلى قولنا إنها نافية يكون " من جنة " مبتدأ و " مِنْ " مزيدةٌ فيه و " بصاحبهم " خبره أي : ما جِنَّةٌ بصاحبهم .