تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَوَلَمۡ يَتَفَكَّرُواْۗ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍۚ إِنۡ هُوَ إِلَّا نَذِيرٞ مُّبِينٌ} (184)

الآية 184 وقوله تعالى : { أو لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة } إن الكفرة كانوا ينسبون رسول الله إلى الجنون أحيانا . والذي حملهم على ذلك ، والله أعلم ، أنهم كانوا{[9183]} أهل العز والشرف في الدنياويّة ، وكان لا يخالفهم أحد ، ولا يستقبلهم بالمكروه إلا أحد رجلين : ذو هيبة وقوة ، وله أعوان وأنصار ، أو رجل به جنون لأنهم كانوا يقتلون من يخالفهم في شيء من الأمر . فلما رأوا رسول الله خالفهم ، واستقبلهم بما يكرهون ، ولم يروا معه أنصارا ولا أعوانا ؛ [ إنه لا يخالفهم ]{[9184]} إلا بجنون فيه ، فنسبوه إلى الجنون لذلك ، والله أعلم .

ويحتمل أن تكون نسبتهم إياه إلى الجنون لما حرّم عليهم عبادة الأصنام والأوثان التي كانوا يعبدونها ، وهم قد رأوا العقلاء منهم قد عبدوا الأصنام ، ولم يحرّموا ذلك . فلما حرّم ذلك [ عليهم ظنوا أنه إنما حرّم ذلك ]{[9185]} لآفة . لذلك حملهم نسبته إلى الجنون ، والله أعلم .

ثم عاتبهم بتركهم التفكر فيه بقوله : { أو لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة } ليتبين لهم أنه ليس به جنون . وذلك يحتمل وجهين :

[ أحدهما ]{[9186]} : أنهم لو تفكروا في رسول الله بما أخبرهم من المرغوب والمرهوب والمحذور في كتابهم على غير لسانهم واختلاف منه إلى أحد منهم ولا تعلّم لعلموا{[9187]} أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم و[ أن ما ]{[9188]} أخبر إنما أخبر بالله .

والثاني{[9189]} : أن يكون قوله تعالى : { أو لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة } أي قد تفكروا ، وعرفوا أن ليس به جنون ، وكذلك في قوله تعالى : { أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض } الآية : [ الأعراف : 185 ] أي قد تفكروا في ذلك ، وعرفوا أن مثل هذا لم يخلق عبثا باطلا كما يقال : ألم تفعل كذا ؟ أي قد فعلت . لكنهم عاندوا ، وكابروا آياته وحججه .

وأمكن أن يكون قوله : { أو لم يتفكروا } أي في أنفسهم وفي أولئك الذين عبدوا [ كثيرا ]{[9190]} من الأصنام والأوثان{[9191]} ليظهر لهم أنهم على باطل وسفه ، وليتبين لهم أن الحق هو ما يدعو إليه محمد صلى الله عليه وسلم لا ما كانوا هم عليه .

وفيه دلالة أن الحق يلزم ، وإن كان لا يعلم ذلك إلا بالتفكّر والتدبّر ، ما لحق هؤلاء من الوعيد الشديد والعقاب العظيم لما تركوا هم التفكر ، وكان لهم سبيل الوصول إلى معرفة ذلك . وقوله : { أو لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة } إنه ليس به جنة ، هو{[9192]} جواب من الله . ويحتمل : لو تفكروا في صاحبهم أنه ليس به جنة .

ثم أخبر أنه { نذير مبين } ليس كما يقولون : إنه مجنون ؛ إذ معه آيات وبراهين ، فهو { نذير مبين } .


[9183]:في الأصل وم: لأنهم.
[9184]:في الأصل وم: أنهم لا يخلفهم.
[9185]:من م، ساقطة من الأصل.
[9186]:في الأصل: وم: بالنسبة.
[9187]:ساقطة من الأصل وم.
[9188]:في الأصل: وم: ليعلموا.
[9189]:في الأصل: و.م: و.
[9190]:ساقطة من الأصل وم.
[9191]:في الأصل وم: أو الأوثان.
[9192]:في الأصل وم: وهذا.