غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{أَوَلَمۡ يَتَفَكَّرُواْۗ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍۚ إِنۡ هُوَ إِلَّا نَذِيرٞ مُّبِينٌ} (184)

184

التفسير : إنه تعالى لما بالغ في تهديد الملحدين المعرضين عن آياته الغافلين عن التأمل في بيناته عاد إلى الجواب عن شبهاتهم فقال { أو لم يتفكروا } وإذا علم أن الرؤية بالصبر حالة مخصوصة بالانكشاف والجلاء ولها مقدمة هي تقليب الحدقة إلى جهة المرئي ، كذلك رؤية البصيرة وهي المسماة بالعلم واليقين حال متعينة بالوضوح والإنارة ولها مقدمة هي تقليب حدقة القلب إلى الجوانب طلباً لذلك ، وهذه الحالة تسمى بنظر العقل وفكرته . وفي اللفظ محذوف والتقدير : أو لم يتفكروا فيعلموا ما بصاحبهم من جنة وهي حالة من الجنون كالجلسة . كان جهال أهل مكة ينسبونه إلى الجنون لوجهين : أحدهما أنه صلى الله عليه وسلم كان يغشاه حالة عجيبة عند الوحي شبيهة بالغشي يتربد وجهه ويتغير لونه ، والثاني أن فعله وهو الإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة والدعاء إلى الله تعالى كان مخالفاً لفعلهم . وعن الحسن وقتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قام ليلاً على الصفا يدعو فخذاً فخذاً من قريش : يا بني فلان يا بني فلان يحذرهم بأس الله وعقابه . فقال قائلهم : إن صاحبكم هذا لمجنون واظب على الصياح إلى الصباح . فأمرهم الله تعالى بالتفكر والتدبر في أمره وذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعوهم إلى عبادة الله وحده ويقيم عليهم الدلائل القاطعة بألفاظ فصيحة عجز الأولون والآخرون عن معارضتها ، وكان حسن الأخلاق طيب العشرة مرضي السيرة مواظباً على أعمال حسنة ، صار بسببها قدوة لعقلاء العالمين ، ومن المعلوم بالضرورة أن مثل هذا الإنسان لا يمكن وصفه بالجنون وإنما هو نذير مبين أرسله رب العالمين لترهيب الكافرين وترغيب المؤمنين .