نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{أَوَلَمۡ يَتَفَكَّرُواْۗ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍۚ إِنۡ هُوَ إِلَّا نَذِيرٞ مُّبِينٌ} (184)

ولما كان السياق من أول السورة لإنذارهم ، وكان لا بد في صحة الإنذار{[34217]} من تصحيح الرسالة ، وختم بأمر الاستدراج ، وكانوا قد واقعوا من المعاصي ما لا يجترىء عليه إلا مطموس البصيرة ، وكان عندهم أن من قال : إنهم على حال سيىء ، - مع ما هم فيه من النعم الظاهرة - مجنون ، وكان التقدير دلالة على صحة الاستدراج ؛ ألم يروا أنهم يقدمون على ما لا يرضاه لنفسه عاقل من عبادتهم للحجر وشماختهم عن{[34218]} أكمل البشر ووصفه بالجنون ووصفهم أفضل الكلام بالسحر{[34219]} والكذب إلى غير ذلك مما يغضب من ليس {[34220]}النفع والضر{[34221]} إلا بيده ، وهو مع ذلك يوالي عليهم النعم ، ويدفع عنهم النقم ، هل{[34222]} ذلك إلا استدراج ؛ قال منكراً عليهم عطفاً على ما أرشد السياق والعطف على غير معطوف عليه إلى تقديره : { أولم يتفكروا } أي يعملوا أفكارهم ويمعنوا{[34223]} في ترتيب المقدمات ليعلموا أنه لا يتوجه لهم طعن يورث شبهة بوجه من الوجوه ، وبين المراد من هذا التفكر و{[34224]}عينه بقوله : { ما بصاحبهم } أي الذي طالت خبرتهم لأنه أمتنهم عقلاً وأفضلهم شمائل ولم يقل : ما برسولي ونحوه ، لئلا يقول متعنتهم مالا يخفى ، وأغرق في النفي فقال : { من جنة } أي حالة من حالات الجنون .

ولما نفى أن يكون به{[34225]} شيء مما نسبوه إليه وافتروه عليه فثبتت رسالته ، حصر أمره في النذارة لأنها النافعة لهم{[34226]} مع أن المقام لها في هذه السورة فقال : { إن } أي ما { هو إلا نذير } أي بالغ في نذارته{[34227]} { مبين* } أي موضح للطريق إيضاحاً لا يصل إليه غيره ، ومن أدلة ذلك عجز الخلق عن معارضة شيء مما{[34228]} يأتي به من أنه أحسن الناس خَلقاً وأعلاهم خُلقاً وأفضلهم عشرة وأرضاهم طريقة وأعدلهم سيرة وأطهرهم سريرة وأشرفهم عملاً وأحكمهم{[34229]} علماً وأرصنهم رأياً وأعظمهم عقلاً وأشدهم أمانة وأظهرهم نبلاً{[34230]} .


[34217]:- من ظ، وفي الأصل: الأبدان-كذا.
[34218]:- من ظ، وفي الأصل: على.
[34219]:- في ظ: بسحر.
[34220]:- في ظ: الضر والنفع.
[34221]:- في ظ: الضر والنفع.
[34222]:من ظ، وفي الأصل: من.
[34223]:- في الأصل وظ: يمنعوا.
[34224]:- سقط من ظ.
[34225]:-سقط من ظ.
[34226]:- زيد من ظ.
[34227]:- في ظ: نذارته.
[34228]:- سقط من ظ.
[34229]:- في ظ: اكملهم.
[34230]:- في ظ: مثلا.