وقوله تعالى : { إن يمسكم قرح } قرئ بضم القاف وبفتحها وهما لغتان ، ومعناهما واحد ، وقيل إنه بالفتح مصدر وبالضم اسم ، وقيل إنه بالفتح اسم للجراحة وبالضم ألم للجراحة . الآية خطاب للمسلمين حين انصرفوا من أحد مع الحزن والكآبة ، يقول : إن يمسسكم أيها المسلمون قرح يوم أحد ، { فقد مس القوم } : يعني في يوم بدر وقيل إن الكفار قد نالهم يوم أحد مثل ما نالكم من الجراح والقتل ، فقد قتل منهم نيف وعشرون رجلاً وكثرت الجراحات فيهم ، { وتلك الأيام نداولها بين الناس } : المداولة نقل الشيء من واحد إلى آخر ، يقال تداولته الأيدي إذا انتقل من واحد إلى آخر ، ويقال الدنيا دول أي تنتقل من قوم إلى آخرين ثم منهم إلى غيرهم . والمعنى أن أيام الدنيا هي دول بين الناس ، فيوم لهؤلاء ويوم لهؤلاء ، فكانت الدولة للمسلمين على المشركين في يوم بدر حتى قتلوا منهم سبعين رجلاً وأسروا سبعين وأديل المشركون من المسلمين يوم أحد حتى جرحوا منهم سبعين وقتلوا خمساً وسبعين ، ( خ ) عن البراء بن عازب قال : " جعل النبي صلى الله عليه وسلم على الرجالة يوم أحد وكانوا خمسين رجلاً وهم الرماة عبد الله بن جبير . فقال : إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا من مكانكم هذا حتى أرسل إليكم وإن رأيتمونا هزمنا القوم ووطئناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم فهزمهم الله . قال : فأنا والله رأيت النساء يشتددن قد بدت خلاخلهن وأسوقهن رافعات ثيابهن ، فقال أصحاب عبد الله بن جبير : الغنيمة ، أي قوم الغنيمة ظهر أصحابكم فما تنتظرون ؟ فقال عبد الله بن جبير : أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا : والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة ، فلما أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين ، فذلك قوله والرسول يدعوكم في أخراكم ، فلم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم غير اثني عشر رجلاً ، فأصابوا منا سبعين رجلاً ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أصاب من المشركين يوم بدر أربعين ومائة : سبعين أسيراً وسبعين قتيلاً فقال أبو سفيان أفي القوم محمد ؟ ثلاث مرات فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجيبوه ثم قال أفي القوم ابن أبي قحافة ؟ ثلاث مرات ثم قال أفي القوم عمر بن الخطاب ؟ ثلاث مرات ، ثم رجع إلى أصحابه فقال : أما هؤلاء فقد قتلوا ، فما ملك عمر نفسه ، فقال : كذبت والله يا عدو الله ، إن الذي عددت لأحياء كلهم وقد بقي لك ما يسوءك ، قال يوم بيوم بدر والحرب سجال إنكم ستجدون في القوم مثله لم آمر بها ولم تسؤني ، ثم أخذ يرتجز : اعل هبل اعل هبل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " ألا تجيبوه ؟ فقالوا : يا رسول الله ما نقول ؟ قال قولوا الله أعلى وأجل قال أبو سفيان . إن لنا عزى ولا عزى لكم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ألا تجيبوه ؟ قالوا يا رسول الله ما نقول ؟ قال : قولوا الله مولانا ولا مولى لكم " . قال البغوي وقد روي هذا المعنى عن ابن عباس ، وفي حديثه قال أبو سفيان يوم بيوم وإن الأيام دول والحرب سجال ، فقال عمر : لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار ، قال الزجاج : الدولة تكون للمسلمين على الكفار لقوله تعالى : ''وإن جندنا لهم الغالبون'' فكانت يوم أحد للكفار على المسلمين لمخالفتهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقوله تعالى : { وليعلم الله الذين آمنوا } يعني إنما جعل الدولة للكفار على المسلمين ليميز المؤمن المخلص ممن يرتد عن الدين إذا أصابته نكبة وشدة ، وقيل معناه : وليعلم الله الذين آمنوا بما يظهر من صبرهم على جهاد عدوهم ، أي ليعرفهم بأعيانهم إلاّ أن السبب العلم ، وهو ظهور الصبر ، حذف هنا وقيل معناه ليعلم الله ذلك واقعاً منهم لأن الله تعالى يعلم الشيء قبل وجوده ولا يحتاج إلى سبب حتى يعلم ، والمعنى ليقع ما علمه عياناً ومشاهدة للناس ، والمجازاة إنما تقع على الواقع دون المعلوم الذي لم يوجد وقيل معناه ليعلم أولياء الله ، فأضاف علمهم إلى نفسه تفخيماً . وقيل معناه ليحكم الله بالامتياز بين المؤمن والمنافق فوضع العلم موضع الحكم لأن الحكم لا يحصل إلاّ بعد العلم { ويتخذ منكم شهداء } يعني وليكرم قوماً منكم بالشهادة ممن أراد أن يكرمهم بها ، وذلك لأن قوماً من المسلمين فاتهم يوم بدر وكانوا يتمنون لقاء العدو وأن يكون لهم يوم كيوم بدر فيقاتلون فيه العدو ويلتمسون فيه الشهادة ، والشهداء جمع شهيد وهو من قتل من المسلمين بسيف الكفار في المعركة ، واختلفوا في معنى الشهيد ، فقيل : الشهيد الحي ، لقوله تعالى : " بل أحياء عند ربهم يرزقون " ، فأرواحهم حية حضرت دار السلام وشهدتها وأرواح غيرهم لا تشهدها ، وقيل سمي شهيداً لأن الله تعالى شهد له بالجنة . وقيل سموا شهداء لأنهم يشهدون يوم القيامة مع الأنبياء والصديقين على الأمم ، لأن الشهادة تكون للأفضل فالأفضل من الأمة لأن منصب الشهادة منصب عظيم ودرجة عالية . { والله لا يحب الظالمين } : يعني المشركين ، وقيل هم الذين ظلموا أنفسهم بالمعاصي ، وقيل هم المنافقون الذين يظهرون الإيمان بألسنتهم ويسرون الكفر ، والمعنى والله لا يحب من لا يكون ثابتاً على الإيمان صابراً على الجهاد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.