لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{فَالِقُ ٱلۡإِصۡبَاحِ وَجَعَلَ ٱلَّيۡلَ سَكَنٗا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ حُسۡبَانٗاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ} (96)

قول تعالى : { فالق الإصباح } أي شاق عمود الصبح عن ظلمة الليل وسواده والإصباح مصدر سمي به الصبح . وقال الزجاج : الإصباح والصبح واحد وهما أول النهار .

فإن قلت ظاهر الآية يدل على أنه تعالى فلق الصبح ، والظلمة هي التي تنفلق بالصبح فما معنى ذلك ؟ قلت ذكر العلماء فيه وجوهاً :

الأول : أن يكون المراد فالق ظلمة الصبح وذلك لأن الصبح صبحان : فالصبح الأول هو البياض المستطيل الصاعد في الأفق كذنب السرحان وهو الذئب ثم تعقبه ظلمة بعد ذلك ويسمى هذا الصبح الفجر الكاذب لأنه يبدو في الأفق الشرقي ثم يضمحل ويذهب ثم يطلع بعده الصبح الثاني ، وهو الضوء المستطير في جميع الأفق الشرقي ويسمى الفجر الصادق لأنه ليس بعده ظلمة والحاصل من هذا أن يكون المعنى : فالق ظلمة الصبح الأول بنور الصبح الثاني .

الوجه الثاني : أنه تعالى كما شق ظلمة الليل بنور الصباح فكذلك يشق نور الصبح بضياء النهار فيكون معنى قوله : { فالق الإصباح } أي فالق الصباح بنور النهار .

الوجه الثالث : أن يراد فالق ظلمة الإصباح وهي الغبش في آخر الليل الذي يلي الصبح .

الوجه الرابع : أن يكون المعنى فالق الإصباح الذي هو عمود الفجر إذا انصدع الفجر وانفلق وسمي الفجر فلقاً بمعنى مفلوق .

الوجه الخامس : الفلق بمعنى الخلق يعني خالق الإصباح . وعلى هذا القول يزول الإشكال . والصبح هو الضوء الذي يبدو أول النهار . والمعنى أنه تعالى مبدي ضوء الصبح وخالقه ومنوره .

وقوله تعالى : { وجعل الليل سكناً } السكن ما سكنت إليه واسترحت به . يريد أن الناس يسكنون في الليل سكون راحة لأن الله جعل الليل لهم كذلك . قال ابن عباس : إن كل ذي روح يسكن فيه لأن الإنسان قد أتعب نفسه في النهار فاحتاج إلى زمان يستريح فيه ويسكن عن الحركة وذلك هو الليل { والشمس والقمر حسباناً } يعني أنه تعالى قدر حركة الشمس والقمر في الفلك بحسبان معين . قال ابن عباس : يجريان إلى أجل جعل لهما يعني عدد الأيام والشهور والسنين وقال الكلبي منازلهما بحسبان لا يجاوزانه حتى ينتهيا إلى أقصى منازلهما { ذلك } إشارة إلى ما تقدم ذكره في هذه الآية من الأشياء التي خلقها بقدرته وكمال علمه وهو المراد بقوله { تقدير العزيز العليم } فالعزيز إشارة إلى كمال قدرته والعليم إشارة إلى كمال علمه .