لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{قُل لَّآ أَمۡلِكُ لِنَفۡسِي نَفۡعٗا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۚ وَلَوۡ كُنتُ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ لَٱسۡتَكۡثَرۡتُ مِنَ ٱلۡخَيۡرِ وَمَا مَسَّنِيَ ٱلسُّوٓءُۚ إِنۡ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٞ وَبَشِيرٞ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (188)

قوله سبحانه وتعالى : { قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً } قال ابن عباس : إن أهل مكة قالوا يا محمد ألا يخبرك ربك بالسعر الرخيص قبل أن يغلو فتشتري به فتربح فيه عند الغلاء وبالأرض التي يريد أن تجدب فترحل عنها إلى ما قد أخصبت فأنزل الله عز وجل : { قل لا أملك } أي قل يا محمد لا أملك ولا أقدر لنفسي نفعاً أي اجتلاب نفع بأن أربح فيما أشتريه ولا ضراً يعني ولا أقدر أن أدفع عن نفسي ضراً نزل بها بأن أرتحل إلى الأرض الخصبة وأترك الجدبة { إلا ما شاء الله } يعني أن أملكه وأقدر عليه { ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير } يعني ولو كنت أعلم وقت الخصب والجدب لاستكثرتُ من المال { وما مسني السوء } يعني الضر والفقر والجوع . وقال ابن جريج : معناه لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً من الهدى والضلالة ولو كنت أعلم الغيب يريدون وقت الموت لاستكثرت من الخير يعني من العمل الصالح . وقيل إن أهل مكة لما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة أنزل الله تعالى الآية وهذه الآية ومعناه : أنا لا أدعي علم الغيب حتى أخبركم عن وقت قيام الساعة وذلك لما طالبوه بالإخبار عن الغيوب فذكر أن قدرته قاصرة عن علم الغيب .

فإن قلت : قد أخبر صلى الله عليه وسلم عن المغيبات وقد جاءت أحاديث في الصحيح بذلك وهو من أعظم معجزاته صلى الله عليه وسلم فكيف الجمع بينه وبين قوله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير ؟

قلت : يحتمل أن يكون قاله صلى الله عليه وسلم على سبيل التواضع والأدب والمعنى لا أعلم الغيب إلا أن يطلعني الله عليه ويقدره لي . ويحتمل أن يكون قال ذلك قبل أن يطلعه الله عز وجل على الغيب فلما أطلعه الله عز وجل أخبر به كما قال تعالى : { فلا يظهر على غيبة أحداً إلا من ارتضى من رسول } أو يكون خرج هذا الكلام مخرج الجواب عن سؤالهم ثم بعد ذلك أظهره الله سبحانه وتعالى عن أشياء من المغيبات فأخبر عنها ليكون ذلك معجزة له ودلالة على صحة نبوته صلى الله عليه وسلم وقوله وما مسني السوء يعني الجنون وذلك أنهم نسبوه إلى الجنون وقيل معناه ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من تحصيل الخير واحترزت عن الشر حتى أصير بحيث لا يمسني السوء ويل معناه ولو كنت أعلم الغيب لأعلمتكم بوقت قيام الساعة حتى تؤمنوا وما مسني السوء يعني قولكم لو كنت نبياً لعلمت متى تقوم الساعة { إن أنا إلا نذير } يعني ما أنا إلا رسول أرسلني الله إليكم أنذركم وأخوفكم عقابه إن لم تؤمنوا { وبشير } يعني وأبشر بثوابه { لقوم يؤمنون } يعني يصدقون .