الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{قُل لَّآ أَمۡلِكُ لِنَفۡسِي نَفۡعٗا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۚ وَلَوۡ كُنتُ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ لَٱسۡتَكۡثَرۡتُ مِنَ ٱلۡخَيۡرِ وَمَا مَسَّنِيَ ٱلسُّوٓءُۚ إِنۡ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٞ وَبَشِيرٞ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (188)

قوله سبحانه : { قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ الله . . . } [ الأعراف :188 ] .

هذا أمر بأنْ يبالِغَ في الاستسلام ، ويتجَّردَ من المشاركةِ في قُدْرة اللَّه ، وغَيْبِه ، وأنَّ يصفَ نفسه لهؤلاءِ السائلين ، بأنه لا يملكُ من منافع نفسه ومضارِّها إِلا مَا سَنَّى اللَّه وشاءَ ويَسَّر ، وهذا الاستثناءُ منقطعٌ ، وأخبر أنه لو كان يَعْلَمُ الغَيْبَ ، لعمل بحَسَب ما يأتي ، واستعد لكلِّ شيءٍ استعداد مَنْ يعلم قَدْرَ ما يَسْتَعِدُّ له ، وهذا لفظٌ عامٌّ في كل شيء .

وقوله : { وَمَا مَسَّنِيَ السوء } يحتمل وجْهين ، وبكليهما ، قيل . أحدهما : أن { ما } معطوفةٌ على قوله : { لاَسْتَكْثَرْتُ } أي : وَلَمَا مسني السوءُ .

والثاني : أن يكون الكلامُ مقطوعاً تَمَّ في قوله : { لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخير } وابتدأ يخبرُ بنَفْي السوءِ عنه ، وهو الجُنُون الذي رَمَوْهُ به .

قال مؤرِّجٌ السَّدُوسيُّ : { السوء } الجنون ، بلغة هُذَيْلٍ .

( ت ) : وأما على التأويل الأول ، فلا يريد ب «السوء » الجنونَ ، ويترجَّح الثاني بنحو قوله سبحانه : { مَا بصاحبكم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ . . . } [ سبأ : 46 ] ، و{ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }[ الأعراف :188 ] يحتملُ معنيين :

أحدهما : أنْ يريد : لقومٍ يُطْلَبُ منهم الإِيمانُ ، وهؤلاء الناسُ أجمع .

والثاني : أن يخبر أنه نذير ، ويتمُّ الكلام ، ثم يبتدئ يخبر أنه بشيرٌ للمؤمنين به ، ففي هذا وعْدٌ لمن حصل إِيمانه .