تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قُل لَّآ أَمۡلِكُ لِنَفۡسِي نَفۡعٗا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۚ وَلَوۡ كُنتُ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ لَٱسۡتَكۡثَرۡتُ مِنَ ٱلۡخَيۡرِ وَمَا مَسَّنِيَ ٱلسُّوٓءُۚ إِنۡ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٞ وَبَشِيرٞ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (188)

الآية 188 وقوله تعالى : { قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا } قال بعض أهل التأويل : قوله : { قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا } الهدى والضلالة .

وقال قائلون من أهل التأويل : { لا أملك } جرّ النفع [ إلى نفسي ]{[9206]} ولا دفع الضر عنها { إلا ما شاء الله } إلا أن أقدرني الله على ذلك ، فأملك ذلك .

ويشبه أن يكون قوله : { قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا } قال{[9207]} ذلك لئلا يتخذوه معبودا ، ولا ينسبوه إلى الله بالذي لا تليق النسبة به ما قالت النصارى : المسيح ابن الله ، وقال اليهود : عزير ابن الله ، {[9208]} وقال مشركو العرب : الملائكة بنات الله لعظيم ما وقع عندهم عنهم من محل هؤلاء وقدرهم ، فقال { قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا } لئلا ينسبوه إلى الله من الوجه الذي نسب أولئك ، أظهر من نفسه العجز والعبادة ، وهو ما قال عيسى : { قال إني عبد الله آتاني الكتاب } الآية : [ مريم : 30 ]

وقال ابن عباس في قوله : { قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا } وذلك أن أهل مكة قالوا : ألا يخبرك ربك يا محمد بالتجارة المربحة ؟ فتتّجر فيها ، فتربح ، أو لا يخبرك بسنة القحط والجدوبة ؟ أو يخبرك بوقت السعة والخصب ؟ فقال عند ذلك : { ولو كنت أعلم الغيب } من جدوبة الأرض والقحط { لاستكثرت من الخير } [ يقول : لتهيّأت لذلك { وما مسّني السوء } من الضر والشدة . إلى هذا ذهب عامة أهل التأويل .

وقالوا في قوله : { ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير } لو{[9209]} كنت أعلم الغيب متى أموت ؟ لاستكثرت من الخير ]{[9210]} ومن العمل الصالح .

ولكن الوجه فيه غير ما ذهبوا إليه ، لأنه إن كان لا يعلم متى يموت ؟ لا يستكثر من الخير ومن العمل الصالح . أو لو كان يعلم الغيب لاستكثر المال على ما قال بعضهم . وهذا بعيد .

ولكن التأويل ، والله أعلم ، أن يجعل قوله : { قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا } أي لا أعلم لكم نفعا ولا ضرا { ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير } عند الله ؛ أي لو كنت أعلم كل ذلك لصدّقتموني ، وآمنتم بي { لاستكثرت من الخير } عند الله بإيمانكم بالله وتصديقكم إياي ، أو أن يقول{[9211]} { لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا } ولو كنت أملك لكم ذلك { لاستكثرت من الخير } لأنكم إذا رأيتموني أملك لكم ذلك { لاستكثرت من الخير } لأنكم إذا رأيتموني أملك لكم دفع ما غاب عنكم ودفع ضر ما غاب لآمنتم بي ، وصدّقتموني ، فأنا بذلك استوجبت عند الله خيرا كثيرا ؛ يجعل قوله : { ولو كنت أعلم الغيب } جواب ما تقدم من الكلام ، والله أعلم .

وقال بعضهم : قوله : { قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا } أي{[9212]} لا أعلم الغيب إلا قدر ما أوحي إليّ { ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير } . وقال بعضهم : لا أعلم الغيب قبل أن يوحى إليّ ، ولو كنت أعلم ذلك { لاستكثرت من الخير } بذلك .

وحاصل التأويل في قوله : { ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير } ما ذكرنا بتصديقكم إياي وإيمانكم بي ، أو ما ذكرنا من السعة والخصب في الدنيا لأهله ولأصحابه ، أو ما ذكرنا أي لو كنت أملك لكم نفع ما غاب عنكم ودفع ضرر ما غاب أيضا لآمنتم بي ، وصدّقتموني ، فأنا بذلك استوجبت عند الله خيرا كثيرا .

وجائز أن يكون قوله : { ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير } أي لو كنت أعلم من المصدّق ؟ ومن المكذّب ؟ { لاستكثرت من الخير } لأنه لا يشتغل بمن يعلم أنه يرد ، ولا يجيب ، وإنما يشتغل بمن يعلم منه أنه يجيب ، ولا يكذّب ، فيستكثر أتباعه والمطيعين لله .

[ وقوله تعالى : { وما مسّني السوء } ]{[9213]} قال بعضهم : هو صلة قوله : { أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة } [ الأعراف : 184 ] كانوا يقولون : إن به جنونا{[9214]} ، فقال : { وما مسني السوء } من النسبة إلى الجنون [ وقال بعضهم ]{[9215]} : { وما مسّني السوء } منكم سوء رد وتكذيب ؛ لأنه لو علم عليه الذي يجيبه ، ويصدّقه ، من الذي لا يجيبه ، ولا يصدّقه ، لم يمسّه سوء منه : [ سوء ]{[9216]} الرد والأذى لأنه لا يشتغل به بعد ما أقام عليه الحجة من المجيب [ منهم ومن الرد بقوله ]{[9217]} تعالى : { إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون } .


[9206]:من م، في الأصل: والنفسي.
[9207]:من م، في الأصل: وقال.
[9208]:إشارة إلى قوله تعالى: {وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله} [التوبة: 30].
[9209]:أدرج قبلها في م: وقال بعضهم.
[9210]:ساقطة من م.
[9211]:في الأصل وم: يقال.
[9212]:في الأصل وم: أو.
[9213]:في الأصل وم: و.
[9214]:في الأصل وم: جنون.
[9215]:في الأصل وم: ويقول.
[9216]:ساقطة من الأصل وم.
[9217]:في الأصل وم: منكم ومن الرد وقوله.