غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قُل لَّآ أَمۡلِكُ لِنَفۡسِي نَفۡعٗا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۚ وَلَوۡ كُنتُ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ لَٱسۡتَكۡثَرۡتُ مِنَ ٱلۡخَيۡرِ وَمَا مَسَّنِيَ ٱلسُّوٓءُۚ إِنۡ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٞ وَبَشِيرٞ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (188)

184

ثم أمر نبيه بإظهار ذلة العبودية حتى لا ينسب إليه نقص ولا يعاب من قبل عدم العلم بالغيب فقال { قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله } وفيه أن قدرته قاصرة وعلمه قليل ، وكل من كان عبداً كان كذلك ، والقدرة الكاملة والعلم المحيط ليس إلا لله تعالى . واحتجت الأشاعرة بالآية في مسألة خلق الأعمال قالوا : الإيمان نفع والكفر ضر فوجب أن لا يحصلا إلا بمشيئة الله تعالى . وأجابت المعتزلة بأن المراد لا أملك لنفسي من النفع والضر إلا قدر ما شاء الله أن يقدرني عليه ويمكنني منه . وظاهر الآية وإن كان عاماً إلا أنها مخصوصة بصورة النزول . قال الكلبي : إن أهل مكة قالوا : يا محمد ألا يخبرك ربك بالسعر الرخيص قبل أن يغلو فتشتري فتربح ، وبالأرض التي يريد أن تجدب فترتحل عنها إلى ما قد أخصب ، فأنزل الله هذه الآية ، فالمراد بالخير في قوله { ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير } هو جلب منافع الدنيا وخيراتها من الخصب والأرباح والأكساب . وقيل : المراد ما يتصل بأمر الدين يعني لو كنت أعلم بالغيب لكنت أعلم أن الدعوة إلى الدين الحق تؤثر في هذا ولا تؤثر في لك فكنت أشتغل بدعوة هذا دون ذاك . وقال بعضهم : «لما رجع صلى الله عليه وسلم من غزوة بني المصطلق جاء في الطريق ريح نفرت ناقته منها فأخبر صلى الله عليه وسلم بموت رفاعة وكان فيه غيظ للمنافقين وقال : «انظروا أين ناقتي » . فقال عبد الله بن أبيّ لقومه : ألا تعجبون من هذا الرجل يخبر عن موت رجل بالمدينة ولا يعرف أين ناقته . فقال صلى الله عليه وآله : «إن ناساً من المنافقين قالوا كيت وكيت وناقتي في هذا الشعب قد تعلق زمامها بشجرة » فوجدوها على ما قال فنزلت » أما قوله { وما مسني السوء } فمعناه لكان حالي على خلاف ما هي عليه من المغلوبية في بعض الحروب والخسران في بعض التجارات والأخطاء في بعض التدبير { إن أنا } إلا عبد مرسل للنذارة والبشارة وما من شأني أن أعلم الغيب . وقوله { لقوم يؤمنون } إما أن يتعلق بالبشير وحده ويكون المتعلق بالنذير وهو للكافرين محذوفاً للعلم به كقوله { سرابيل تقيكم الحر } [ النحل : 81 ] أو يتعلق بالوصفين جميعاً إلا أن المؤمنين لما كانوا هم المنتفعين به خصوا بالذكر كقوله { هدى للمتقين } [ البقرة : 2 ] واعلم أن أكثر ما جاء في القرآن من لفظي الضر والنفع معاً جاءا بتقديم لفظ الضر على النفع وهو الأصل لأن العابد يعبد معبوده خوفاً من عقابه أولاً ثم طمعاً في ثوابه ثانياً يؤيده قوله { يدعون ربهم خوفاً وطمعاً } [ السجدة : 16 ] وحيثما تقدم النفع على الضر فذلك لسابقة لفظ تضمن معنى نفع كما في هذه السورة تقدم لفظ الهداية على الضلال في قوله { من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل } [ الكهف : 17 ] وتقدم الخير على السوء في قوله { لاستكثرت من الخير وما مسني السوء } وفي الرعد تقدم ذكر الركوع في قوله { طوعاً وكرهاً } [ آل عمران : 83 ] والطوع نفع . وفي الفرقان تقدم قوله { هذا عذاب فرات } [ الفرقان : 53 ] وهو نفع وفي سبأ تقدم البسط في قوله { الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر } [ الرعد : 26 ] وقس على هذا .

/خ195