{ قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا } قال ابن جرير : يعني الهدى والضلالة وهذه الجملة متضمنة لتأكيد ما تقدم من عدم علمه بالسعة أيان تكون ومتى تقع لأنه إذا كان لا يقدر على جلب نفع له أو دفع ضر عنه .
{ إلا ما شاء الله } سبحانه من النفع له والدفع عنه ، فبالأولى أن لا يقدر على علم ما استأثر الله بعلمه ، وفي هذا من إظهار العبودية والإقرار بالعجز عن الأمور التي ليست من شأن العبيد ، والاعتراف بالضعف عن انتحال ما ليس له صلى الله عليه وسلم ما فيه أعظم زاجر ، وأبلغ واعظ لمن يدعي لنفسه ما ليس من شأنها وينتحل علم الغيب بالنجامة أو الرمل أو الطرق بالحصى أو الزجر .
قال النسفي : أي أنا عبد ضعيف لا أملك لنفسي اجتلاب نفع ولا دفع ضرب كالمماليك إلا ما شاء مالكي من النفع لي والدفع عني ، والاستثناء منقطع ، وبه قال ابن عطية وهو أبلغ في إظهار العجز .
ثم أكد هذا وقرره بقوله : { ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير } أي لو كنت أعلم جنس الغيب لتعرضت لما فيه الخير فجلبته إلى نفسي وتوقيت ما فيه السوء حتى لا يمسني ، ولكني عبد لا أدري ما عند ربي ولا ما قضاه فيّ وقدره لي ، فكيف أدري غير ذلك وأتكلف علمه ، وقيل المعنى لو كنت أعلم ما يريد الله عز وجل مني من قبل أن يعرفنيه لفعلته ، وقيل لو كنت أعلم متى يكون لي النصر في الحرب لقاتلت فلم أغلب ، وقيل لو كنت أعلم الغيب لأجبت عن كل ما أسأل عنه ، وقيل لو كنت أعلم وقت الموت لاستكثرت من العمل الصالح ، وقيل لو كنت أعلم وقت الخصب والجدب لاعتددت من الخصب للجدب وقيل غير ذلك والأولى حمل الآية على العموم فيندرج هذه الأمور وغيرها تحتها .
{ وما مسني السوء } كلا مستأنف أي ليس لي ما تزعمون من الجنون ، والأولى أنه متصل بما قبله والمعنى لو علمت الغيب ما مسني السوء ولحذرت عنه كما قدمنا ذلك وقال ابن جريج : لا يصيبني الفقر ، وقال ابن زيد : لاجتنبت ما يكون من الشر قبل أن يكون ، وقال الكرخي : أي ما مسني سوء يمكن التفصي عنه بالتوقي عن موجباته والمدافعة بموانعه لا سوء ما فإن منه ما لا مدفع له .
{ إن أنا إلا نذير وبشير } أي ما أنا إلا مبلغ عن الله أحكامه { لقوم يؤمنون } أي كتب في الأزل أنهم يؤمنون فإنهم المنتفعون به فلا ينافي كونه بشيرا ونذيرا للناس كافة ، واللام في لقوم من باب التنازع ، فعند البصريين تعلق ببشير ، وعند الكوفيين بنذير ، وقيل نذير بالنار للكافرين وبشير بالجنة للمؤمنين .
وعلى هذا متعلق النذارة محذوف والذي أخبر به صلى الله عليه وسلم عن المغيبات ، وقد جاءت بها أحاديث في الصحيح فهو من قبيل المعجزات .
ومن قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك على سبيل التواضع والأدب فقد أبعد النجعة بل قاله صلى الله عليه وسلم معتقدا بذلك ، وأن الله هو المستأثر بعلم الغيب والمعجزات مخصصة من هذا العموم كما قال تعالى : { إلا من ارتضى من رسول } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.