صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{أَوۡ زِدۡ عَلَيۡهِ وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِيلًا} (4)

{ أو زد عليه } أي على هذا النصف قليلا حتى يصير ثلثين ؛ فتكون مدة القيام ثلثا . فأوجب الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم وعلى أمته قيام الليل ، وخيّره بين قيام النصف تاما ، وبين قيام الثلثين ، وقيام الثلث ؛ فصار هو وأصحابه يقومون كل الليل خشية الإخلال بشيء من المقدار المعين لعدم التمكن من ضبطه . واشتد ذلك عليهم حتى انتفخت أقدامهم ؛ فرحمهم الله تعالى بالتخفيف عنهم ، فنسخ وجوب قيام هذا المقدار المعين في حقه وحق أمته بقوله في آخر السورة : " فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن " أي فصلوا بالليل ما تيّسر لكم دون تحديد بالمقادير المعيّنة . ثم نسخ وجوب القيام في حقه صلى الله عيه وسلم وحق الأمة بفرض الصلوات الخمس مع ضميمة قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي حين سأله عن الصلوات الخمس بقوله هل عليّ غيرها يا رسول الله ؟ - : ( لا إلا أن تطوع ) . وقيل : في حق الأمة فقط ، وبقي الوجوب في حقه صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى : " ومن الليل فتجهد به نافلة لك " {[369]} أي فريضة زائدة على الصلوات الخمس خاصة بك . وكان بين الناسخ والمنسوخ نحو سنة – كما روى في الصحيح – بناء على أن السورة كلها مكية ، وهو الراجح . وقيل : نحو عشر سنين ؛ بناء على أن آخرها مدني وقيل : كان القيام فرضا على النبي صلى الله عليه وسلم وحده ؛ لتوجه الخطاب له . وهو قول قوي .

{ ورتل القرآن ترتيلا } أي بينه تبيينا ، وفصله تفصيلا أثناء ما ذكر من القيام ؛ لأن ذلك أعون على تأمله ، وأثبت لمعانيه في القلب ؛ من قولهم : ثغر رتل ، أي مفلّح الأسنان لم يتصل بعضها ببعض .


[369]:آية 89 الإسراء.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{أَوۡ زِدۡ عَلَيۡهِ وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِيلًا} (4)

قوله : { أو زد عليه } يعني أو زد عليه قليلا إلى الثلثين . فيكون المعنى : قم ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه . وبذلك يكون النبي صلى الله عليه وسلم مخيرا في ذلك بين أمرين : بين أن يقوم أقل من نصف الليل ، وبين أن يختار أحد الأمرين ، وهما النقصان من النصف والزيادة عليه .

قوله : { ورتّل القرآن ترتيلا } الترتيل في القراءة معناه ، الترسّل فيها والتبيين يغير بغي{[4668]} والمعنى : اقرأ القرآن على ترسل وتمهل أو تؤدة . يتبيين حروفه وإشباع حركاته مع تدبر معانيه والابتهاج بجمال نظمه وجمال إعجازه . فلا يقرأه هذّا والهذّ معناه الهدرمة وهي السرعة في القراءة والكلام {[4669]} .

فما ينبغي لقارئ أن يقرأه على عجل ، غير متدبر ولا متذكر ولا مبتهج بل يقرأه متّئدا متمهلا وأن يحسّن الصوت في قراءته . وقد جاء في الحديث " زينوا القرآن بأصواتكم- وليس منا من لم يتغنّ بالقرآن- ولقد آوتي هذا مزمارا من مزامير آل دواد " يعني أبا موسى الأشعري . فقال : لو كنت أعلم أنك تسمع قراءتي لحبرته لك تحبيرا " .


[4668]:مختار الصحاح ص 232.
[4669]:مختار الصحاح ص 693.