صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{وَلَا تَمۡنُن تَسۡتَكۡثِرُ} (6)

{ ولا تمنن تستكثر } لا تعط أحدا شيئا طالبا للكثير عوضا عنه ؛ فهو نهى عن الاستعواض نهى تحريم ، فيحرم

عليه أن ينتظر العوض عما أعطى . وهو خاص به صلى الله عليه وسلم ؛ لأن الله تعالى اختار لنبيه أشرف الآداب وأحسن الأخلاق . وأما بالنسبة لأمته فهو جائز . وقيل : النهي للتنزيه بالنسبة له صلى الله عليه وسلم ولأمته . أو لا تنعم على أحد بشيء رائيا ما أنعمت به كثيرا ؛ لأن ذلك لا يليق بك .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَا تَمۡنُن تَسۡتَكۡثِرُ} (6)

{ ولا تمنن تستكثر } أي : لا تعط مالك مصانعةً لتعطى أكثر منه ، وهذا قول أكثر المفسرين ، قال الضحاك ومجاهد : كان هذا للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة . قال الضحاك : هما رباءان حلال وحرام ، فأما الحلال فالهدايا ، وأما الحرام فالربا . قال قتادة : لا تعط شيئاً طمعاً لمجازاة الدنيا ، يعني أعط لربك وأرد به الله . وقال الحسن : معناه لا تمنن على الله فتستكثره ، قال الربيع : لا تكثرن عملك في عينك فإنه فيما أنعم الله عليك وأعطاك قليل . وروى خصيف عن مجاهد : ولا تضعف أن تستكثر من الخير ، من قولهم : حبل متين إذا كان ضعيفاً ، دليله : قراءة ابن مسعود : ولا تمنن أن تستكثر من الخير ، قال ابن زيد معناه : لا تمنن بالنبوة على الناس فتأخذ عليها أجراً أو عرضاً من الدنيا .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَلَا تَمۡنُن تَسۡتَكۡثِرُ} (6)

فيه ثلاث مسائل :

الأولى- قوله تعالى : " ولا تمنن تستكثر " فيه أحد عشر{[15556]} تأويلا :

الأول : لا تمنن على ربك بما تتحمله من أثقال النبوة ، كالذي يستكثر ما يتحمله بسبب الغير .

الثاني : لا تعط عطية تلتمس بها أفضل منها ، قاله ابن عباس وعكرمة وقتادة . قال الضحاك : هذا حرمه الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه مأمور بأشرف الآداب وأجل الأخلاق ، وأباحه لأمته ، وقاله مجاهد .

الثالث : عن مجاهد أيضا لا تضعف{[15557]} أن تستكثر من الخير ، من قولك حبل منين إذا كان ضعيفا ، ودليله قراءة ابن مسعود " ولا تمنن تستكثر من الخير " .

الرابع : عن مجاهد أيضا والربيع : لا تعظم عملك في عينك أن تستكثر من الخير ، فإنه مما أنعم الله عليك . قال ابن كيسان : لا تستكثر عملك فتراه من نفسك ، إنما عملك منة من الله عليك ؛ إذ جعل الله لك سبيلا إلى عبادته .

الخامس : قال الحسن : لا تمنن على الله بعملك فتستكثره .

السادس : لا تمنن بالنبوة والقرآن على الناس فتأخذ منهم أجرا تستكثر به .

السابع : قال القرظي : لا تعط مالك مصانعة .

الثامن : قال زيد بن أسلم : إذا أعطيت عطية فأعطها لربك .

التاسع : لا تقل دعوت فلم يستجب لي .

العاشر : لا تعمل طاعة وتطلب ثوابها ، ولكن اصبر حتى يكون الله هو الذي يثيبك عليها .

الحادي عشر : لا تفعل الخير لترائي به الناس .

الثانية- هذه الأقوال وإن كانت مرادة فأظهرها قول ابن عباس : لا تعط لتأخذ أكثر مما أعطيت من المال ، يقال : مننت فلانا كذا أي أعطيته . ويقال للعطية المنة ، فكأنه أمر بأن تكون عطاياه لله ، لا لارتقاب ثواب من الخلق عليها ؛ لأنه عليه السلام ما كان يجمع الدنيا ، ولهذا قال : [ ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود عليكم ] . وكان ما يفضل من نفقة عياله مصروفا إلى مصالح المسلمين ؛ ولهذا لم يورث ؛ لأنه كان لا يملك لنفسه الادخار والاقتناء ، وقد عصمه الله تعالى عن الرغبة في شيء من الدنيا ؛ ولذلك{[15558]} حرمت عليه الصدقة وأبيحت له الهدية ، فكان يقبلها ويثيب عليها . وقال : [ لو دعيت إلى كراع{[15559]} لأجبت ولو أهدي إلي ذراع لقبلت ] ابن العربي : وكان يقبلها سنة ولا يستكثرها شرعة ، وإذا كان لا يعطي عطية يستكثر بها فالأغنياء أولى بالاجتناب ؛ لأنها باب من أبواب المذلة ، وكذلك قول من قال : إن معناها لا تعطي عطية تنتظر ثوابها ، فإن الانتظار تعلق بالأطماع ، وذلك في حيزه بحكم الامتناع ، وقد قال الله تعالى له : " ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى " [ طه : 131 ] . وذلك جائز لسائر الخلق ؛ لأنه من متاع الدنيا ، وطلب الكسب والتكاثر بها . وأما من قال أراد به العمل أي لا تمنن بعملك على الله فتستكثره فهو صحيح ، فإن ابن آدم لو أطاع الله عمره من غير فتور لما بلغ لنعم الله بعض الشكر .

الثالثة- قوله تعالى : " ولا تمنن " قراءة العامة بإظهار التضعيف . وقرأ أبو السمال العدوي وأشهب العقيلي والحسن " ولا تمن " مدغمة مفتوحة . " تستكثر " : قراءة العامة بالرفع وهو في معنى الحال ، تقول : جاء زيد يركض أي راكضا ، أي لا تعط شيئا مقدرا أن تأخذ بدله ما هو أكثر منه . وقرأ الحسن بالجزم على جواب النهي وهو رديء ؛ لأنه ليس بجواب . ويجوز أن يكون بدلا من " تمنن " كأنه قال : لا تستكثر . وأنكره أبو حاتم وقال : لأن المن ليس بالاستكثار فيبدل منه . ويحتمل أن يكون سكن تخفيفا كعضد . أو أن يعتبر حال الوقف . وقرأ الأعمش ويحيى " تستكثر " بالنصب ، توهم لام كي ، كأنه قال : ولا تمنن لتستكثر . وقيل : هو بإضمار " أن " كقوله{[15560]} :

ألا أيُّهَذَا الزَّاجِرِيُّ أحْضُرَ الوَغَى

ويؤيده قراءة ابن مسعود " ولا تمنن أن تستكثر " . قال الكسائي : فإذا حذف " أن " رفع وكان المعنى واحدا . وقد يكون المن بمعنى التعداد على المنعم عليه بالنعم ، فيرجع إلى القول الثاني{[15561]} : ، ويعضده قوله تعالى : " لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى " [ البقرة : 264 ] وقد يكون مرادا في هذه الآية . والله أعلم .


[15556]:أ، ح: "فيه عشر تأويلات".
[15557]:عبارة ابن العربي في أحكام القرآن (2/288): ولا تضعف عن الخير أن تستكثر منه.
[15558]:في، أ ح، ز، ط: "ولهذا".
[15559]:الكراع بوزن عراب: وهو مستدق الساق من الرجل. وهو من البقر والغنم بمنزلة الوظيف من الفرس والبعير.
[15560]:البيت لطرفة بن العبد من معلقته، وتمامه: * وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي *
[15561]:زيادة يقتضيها المعنى.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَلَا تَمۡنُن تَسۡتَكۡثِرُ} (6)

ولما بدأ بأحد سببي القبول{[69702]} ، أتبعه الثاني المبعد عن قاصمة العمل من الإعجاب والرياء والملل فقال : { ولا تمنن } أي-{[69703]} على أحد بدعائك له أو بشيء تعطيه له على جهة الهبة أو القرض بأن تقطع لذة من أحسنت إليه بالتثقيل عليه بذكرك على جهة الاستعلاء والاستكثار بما فعلته معه ، {[69704]}أو لا{[69705]} تعط شيئاً حال كونك { تستكثر * } أي تطلب أن تعطي أجراً أو أكثر مما أعطيت - قاله ابن عباس رضي الله عنهما ، وهو من قولهم ، منَّ - إذا أعطى ، وذلك لأن الأليق بالمعطي من الخلق أن يستقل ما أعطى ، ويشكر الله الذي وفقه له ، و-{[69706]} بالآخذ أن يستكثر ما أخذ-{[69707]} ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يفعل شيئاً لعلة أصلاً ، بل لله خالصاً ، فإنه إذا زال الاستكثار حصل الإخلاص ، لأنه لا يتعلق همه بطلب الاستمثال ، فكيف بالاستقلال ، فيكون العمل-{[69708]} في غاية الخلوص لا يقصد به ثواباً أصلاً ، ولا يراد لغير وجه الله تعالى ، وهذا هو النهاية في الإخلاص .


[69702]:من م، وفي الأصل و ظ: القول.
[69703]:زيد من ظ و م.
[69704]:من ظ و م، وفي الأصل: لو.
[69705]:من ظ و م، وفي الأصل: لو.
[69706]:راجع البحر المحيط 8/369.
[69707]:زيد من ظ و م.
[69708]:زيد من ظ و م.