الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَلَا تَمۡنُن تَسۡتَكۡثِرُ} (6)

قرأ الحسن «ولا تمنّ » «وتستكثر » مرفوع منصوب المحل على الحال ، أي : ولا تعط مستكثراً رائياً لما تعطيه كثيراً ، أو طالباً للكثير : نهى عن الاستغزار : وهو أن يهب شيئاً وهو يطمع أن يتعوّض من الموهوب له أكثر من الموهوب ، وهذا جائز . ومنه الحديث : " المستغزر يثاب من هبته " وفيه وجهان ، أحدهما : أن يكون نهياً خاصاً برسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأنّ الله تعالى اختار له أشرف الآداب وأحسن الأخلاق ، والثاني : أن يكون نهى تنزيه لا تحريم له ولأمته وقرأ الحسن «تستكثر » بالسكون . وفيه ثلاثة أوجه : الإبدال من تمنن . كأنه قيل : ولا تمنن لا تستكثر ؛ على أنه من المنّ في قوله عز وجل : { ثم لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذى } [ البقرة : 262 ] لأنّ من شأن المنان بما يعطي أن يستكثره ، أي : يراه كثيراً ويعتدّ به ، وأن يشبه ثرو بعضد ، فيسكن تخفيفاً ، وأن يعتبر حال الوقف . وقرأ الأعمش بالنصب بإضمار «أن » كقوله :

أَلاَ أَيُّهذَا الزَّاجِرِى أحْضُرَ الْوَغَىء ***

وتؤيده قراءة ابن مسعود «ولا تمنن أن تستكثر » ويجوز في الرفع أن تحذف «أن » ويبطل عملها ، كما روي : أحضر الوغى بالرفع .