تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَا تَمۡنُن تَسۡتَكۡثِرُ} (6)

الآية 6 : وقوله تعالى : { ولا تمنن تستكثر } قال مجاهد والحسن : تأويله ألا تستكثر عملك فتمن به على ربك على التقديم والتأخير . فإن كان التأويل هذا فالمراد من الخطاب غير رسول الله صلى الله عليه وسلم . وإن كان هو المذكور في الخطاب ، إذ لا يتوهم أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يمن على ربه ولا أن يستكثر عمله لله تعالى لأن هذا النوع من الصنيع لا يفعله واحد/ 610- بن العوام الذي خص بأدنى خير ، فكيف يتوهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ لأن الامتنان على الله تعالى من فعل المنافقين . قال الله تعالى : { يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم }[ الحجرات : 17 ] .

ويجوز أن يكون الخطاب له ، وإن كان هو معصوما من ذلك لقوله تعالى : { ولا تدع مع الله إلها آخر } [ القصص : 88 ] ونحوه . وهذا كما ذكرنا أن العصمة لا تمنع وقوع النهي ، إذ العصمة{[22571]} ينتفع بها مع ثبات النهي . فإذا لم يكن فلا فائدة في العصمة .

وقال بعضهم : { ولا تمنن تستكثر } أي لا تعطه عطية ، تلتمس بها أفضل منها في الدنيا من الثواب ؛ نهى عن اكتساب الأسباب التي يتوصل بها إلى استكثار المال في الدنيا من التجارة وغيرها إلا القدر الذي لابد له ، وتقع إليه الحاجة .

ألا ترى إلى قوله تعالى : { ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم } ؟ ]طه : 131 ] فإذا نهي عن مد عينيه إلى ما متعوا في اكتساب المال الحق ثبت أن الله تعالى نهاه عن اكتساب ذلك وجمعه{[22572]} وجعل رزقه عليه السلام من الوجه الذي لا تبلغه حيل البشر ، وهو{[22573]} الفيء والغنيمة ، ثم هي إمساكه وادخاره لنفسه ، بل أمر أن يصرفه في أمته ، فقال{[22574]} عليه السلام : ( مالي من هذا المال إلا الخمس والخمس مردود فيكم )[ أحمد 4/128 ] لقوله{[22575]} تعالى : { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى } الآية[ الحشر : 7 ] وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدخر لغد ، وقال الله تعالى : { لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد }{ متاع قليل }[ آل عمران : 196و197 ] فثبت أنه كان منهيا عن اكتساب[ الأسباب التي يتوصل بها إلى اكتساب الأموال ]{[22576]} وإلى الجمع ، فنهي عن العطايا التي يلتمس بها أفضل منها في الدنيا ، والله أعلم .


[22571]:أدرج بعدها في الأصل و م: لا.
[22572]:أدرج بعدها في الأصل و م: وذلك.
[22573]:في الأصل و م: وهي.
[22574]:في الأصل و م: بقوله.
[22575]:في الأصل و م: وقال الله.
[22576]:من م، ساقطة من الأصل.