فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَا تَمۡنُن تَسۡتَكۡثِرُ} (6)

{ ولا تمنن تستكثر } قرئ لا تمن بالإدغام ، وقرأ الجمهور بفك الإدغام ، وتستكثر بالرفع على أنه حال أي ولا تمنن حال كونك مستكثرا وقيل على حذف " أن " والأصل ولا تمنن أن تستكثر ، فلما حذفت رفع ، قال الكسائي فإذا حذف " أن " رفع الفعل ، وقرئ تستكثر بالنصب على تقدير " أن " وبقاء عملها ، ويؤيدها قراءة ابن مسعود أن تستكثر بزيادة أن ، وقرئ بالجزم على أنه بدل من تمنن كما في قوله { يلق أثاما يضاعف له العذاب } أو الجزم لإجراء الوصل مجرى الوقف .

وقد أعرض على قراءة الجزم لأن قوله تستكثر لا يصح أن يكون بدلا من تمنن ، لأن المن غير الاستكثار ، ولا يصح أن يكون جوابا للنهي ، والمن الإنعام وبابه رد .

واختلف السلف في معنى الآية فقيل المعنى لا تنعم بشيء مستكثرا أي طالبا للكثرة ، كارها أن ينقص المال بسبب العطاء فيكون الاستكثار هنا عبارة عن طلب العوض كيف كان ، وقيل المعنى لا تمنن على ربك بما تتحمله من أعباء الرسالة والنبوة كالذي يستكثر ما يتحمله بسبب الغير ، وقيل لا تعط عطية تلتمس فيها أكثر منها قاله عكرمة وقتادة ، وقال ابن عباس لا تعط تلتمس بها أفضل منها عنه وقال لا تعط الرجل عطاء رجاء أن يعطيك أكثر منه ، قال الضحاك هذا حرمه الله على رسوله لأنه مأمور بأشرف الآداب وأجل الأخلاق ، وأباحه لأمته ، وقال مجاهد لا تضعف أن تستكثر من الخير من قولك حبل متين إذا كان ضعيفا ، وقال الربيع ابن أنس لا يعظم عملك في عينك أن تستكثر من الخير .

وقال ابن كيسان لا تستكثر عملا فتراه من نفسك إنما عملك منة من الله عليك إذ جعل لك سبيلا إلى عبادته ، وقيل لا تمنن بالنبوة والقرآن على الناس فتأخذ منهم أجرا تستكثره ، وقال محمد بن كعب لا تعط مالك مصانعة وقال زيد بن أسلم إذا أعطيت عطية فأعطها لربك .