البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَا تَمۡنُن تَسۡتَكۡثِرُ} (6)

وقرأ الجمهور : { ولا تمنن } ، بفك التضعيف ؛ والحسن وأبو السمال : بشد النون .

قال ابن عباس وغيره : لا تعط عطاء لتعطي أكثر منه ، كأنه من قولهم : منّ إذا أعطى .

قال الضحاك : هذا خاص به صلى الله عليه وسلم ، ومباح ذلك لأمته ، لكنه لا أجر لهم .

وعن ابن عباس أيضاً : لا تقل دعوت فلم أجب .

وعن قتادة : لا تدل بعملك .

وعن ابن زيد : لا تمنن بنبوتك ، تستكثر بأجر أو كسب تطلبه منهم .

وقال الحسن : تمنن على الله بجدك ، تستكثر أعمالك ويقع لك بها إعجاب ، وهذه الأقوال كلها من المنّ تعداد اليد وذكرها .

وقال مجاهد : { ولا تمنن تستكثر } ما حملناك من أعباء الرسالة ، أو تستكثر من الخير ، من قولهم : حبل متين : أي ضعيف .

وقيل : ولا تعط مستكثراً رائياً لما تعطيه .

وقرأ الجمهور : تستكثر برفع الراء ، والجملة حالية ، أي مستكثراً .

قال الزمخشري : ويجوز في الرفع أن تحذف أن ويبطل عملها ، كما روي : أحضر الوغى بالرفع .

انتهى ، وهذا لا يجوز أن يحمل القرآن عليه ، لأنه لا يجوز ذلك إلا في الشعر ، ولنا مندوحة عنه مع صحة الحال ، أي مستكثراً .

وقرأ الحسن وابن أبي عبلة : بجزم الراء ، ووجهه أنه بدل من تمنن ، أي لا تستكثر ، كقوله : { يضاعف له العذاب } في قراءة من جزم ، بدلاً من قوله : { يلق } وكقوله :

متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا *** تجد حطباً جزًلا وناراً تأججا

ويكون من المن الذي في قوله تعالى : { لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى } لأن من شأن المان أن يستكثر ما يعطي أن يراه كثيراً ويعتد به ؛ وأجاز الزمخشري فيه وجهين ، أحدهما : أن تشبه ثرو بعضد فتسكن تخفيفاً ؛ والثاني : أن يعتبر حال الوقف ، يعني فيجري الوصل مجرى الوقف ، وهذان لا يجوز أن يحمل القرآن عليهما مع وجود ما هو راجح عليهما ، وهو المبدل .

وقرأ الحسن أيضاً والأعمش : تستكثر بنصب الراء ، أي لن تحقرها .

وقرأ ابن مسعود : أن تستكثر ، بإظهار أن .