إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلَا تَمۡنُن تَسۡتَكۡثِرُ} (6)

{ وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } ولا تُعطِ مُستكثراً أي رائياً لِمَا تعطيهِ كثيراً أو طالباً للكثيرِ على أنَّه نهيٌ عنْ الاستغزارِ وهُوَ أنْ يهبَ شيئاً وهو يطمعُ أنْ يتعوضَ منَ الموهوبِ لَهُ أكثرَ ممَّا أعطاهُ وهُو جائزٌ ومنْهُ الحديثُ : «المستغزرُ يثابُ من هبتِه »{[804]} فالنهيُ إمَّا للتحريمِ وهو خاصٌّ برسولِ الله صلى الله عليه وسلم لأنَّ الله تعالى اختارَ له أشرفَ الأخلاقِ وأحسنَ الآدابِ أو للتنزيهِ للكُلِّ تستكثرْ بالسكونِ اعتباراً بحالِ الوقفِ أوْ إبدالاً منْ تمنن كأنَّه قيلَ : ولا تمنُنْ ولا تستكثرْ على أنَّه منَ المَنِّ الَّذي في قولِه تعالى منَّا ولاَ أذَىَ منْ يمنَّ بِمَا يُعطي يستكثرُه ويعيدُ بِه وقُرِئَ بالنصبِ بإضمارِ أنْ معَ إبقاءِ عملِها كقولِ منْ قالَ : [ الطويل ]

أَلاَ أيُهذَا الزَّاجِرِي أَحْضُرَ الوَغَى *** [ وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي ]{[805]}

وقدْ قُرِئَ بإثباتِها ويجوزُ في قراءةِ الرفعِ أنْ يحذفَ أنْ ويبطلَ عملُها كَمَا يُروى أحضرُ الوَغَى بالرفعِ .


[804]:أخرجه ابن ماجه في كتاب الهبات باب (6) بلفظ "الرجل أحق بهبته ما لم يثب منها".
[805]:وهو لطرفة بن العبد في ديوانه (ص32)؛ وخزانة الأدب (1/119)، (8/579)؛ والدرر (1/74)؛ وسر صناعة الإعراب (1/285)؛ وشرح شواهد المغني (2/800)؛ ولسان العرب (أنن)، (دنا)، والمقاصد النحوية (4/402)؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب (1/463)، (8/507، 580، 585)؛ وشرح شذور الذهب (ص198)؛ وشرح المفصل(2/7)، (4/28)، (7/52)، ومغني اللبيب (2/383).