فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَا تَمۡنُن تَسۡتَكۡثِرُ} (6)

{ وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } قرأ الجمهور : { ولا تمنن } بفك الإدغام ، وقرأ الحسن وأبو اليمان والأشهب العقيلي بالإدغام ، وقرأ الجمهور : { تستكثر } بالرفع على أنه حال : أي ولا تمنن حال كونك مستكثراً . وقيل : على حذف أن ، والأصل ولا تمنن أن تستكثر ، فلما حذفت رفع . قال الكسائي : فإذا حذف أن رفع الفعل . وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش «تستكثر » بالنصب على تقدير أن وبقاء عملها ، ويؤيد هذه القراءة قراءة ابن مسعود : «ولا تمنن أن تستكثر » بزيادة أن . وقرأ الحسن أيضاً وابن أبي عبلة : «تستكثر » بالجزم على أنه بدل من «تمنن » ، كما في قوله : { يَلْقَ أَثَاماً * يضاعف لَهُ } [ الفرقان : 68 . 69 ] ، وقول الشاعر :

متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا *** تجد حطباً جزلاً وناراً تأججا

أو الجزم لإجراء الوصل مجرى الوقف : كما في قول امرئ القيس :

فاليوم أشرب غير مستحقب *** إثماً من الله ولا واغل

بتسكين أشرب . وقد اعترض على هذه القراءة ، لأن قوله : { تستكثر } لا يصح أن يكون بدلاً من تمنن ، لأن المنّ غير الاستكثار ، ولا يصح أن يكون جواباً للنهي .

واختلف السلف في معنى الآية . فقيل المعنى : لا تمنن على ربك بما تتحمله من أعباء النبوّة كالذي يستكثر ما يتحمله بسبب الغير . وقيل : لا تعط عطية تلتمس فيها أفضل منها ، قاله عكرمة وقتادة . قال الضحاك : هذا حرّمه الله على رسوله ، لأنه مأمور بأشرف الآداب وأجلّ الأخلاق ، وأباحه لأمته . وقال مجاهد : لا تضعف أن تستكثر من الخير ، من قولك حبل متين : إذا كان ضعيفاً . وقال الربيع بن أنس : لا تعظم عملك في عينك أن تستكثر من الخير . وقال ابن كيسان : لا تستكثر عملاً فتراه من نفسك ، إنما عملك منة من الله عليك إذ جعل لك سبيلاً إلى عبادته . وقيل : لا تمنن بالنبوّة والقرآن على الناس فتأخذ منهم أجراً تستكثره . وقال محمد بن كعب : لا تعط مالك مصانعة . وقال زيد بن أسلم : إذا أعطيت عطية فأعطها لربك .

/خ30