غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلَا تَمۡنُن تَسۡتَكۡثِرُ} (6)

1

{ ولا تمنن تستكثر } لا تعط مستكثراً رائياً لما أعطيته كثيراً بل يجب أن تستحقرها وترى أن للأخذ حرمة عليك بقبول ذلك الإنعام ، وهذا نهاية الكرم على أن الاستكثار ينبئ على المنة وهي مبطلة للعمل كما قال

{ لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى } [ البقرة :267 ] فقوله { تستكثر } مرفوع والجملة في موضع الحال منصوباً ، ويجوز أن يكون الأصل لأن تستكثر فحذف اللام ثم " أن " وأبطل عملها كما روي " ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى " بالرفع . واختار أبو علي الفارسي الوجه الأول إلا أنه قال : تأويله لا تمنن مقدراً الاستكثار كما في قول القائل : مررت برجل معه صقر صائداً به غدا . وأقول : هذا التأويل مما لا حاجة إليه لأن طلب الكثرة مقرون بالإعطاء بخلاف الصيد غداً . وذهب جم غفير من المفسرين إلى أنه نهى عن الاستقراض وهو أن يهب شيئاً طامعاً في أن يأخذ أكثر منه فيكون نهى تنزيه لأنه جاء في الحديث " المستغزر يثاب من هبته " ويجوز أن يكون نهي تحريم خاصاً برسول الله لأن منصبه يجل عن طلب الدنيا خصوصاً بهذا الوجه ، ومنهم من حمله على الرياء فيكون نهي تحريم للكل والمن معنى . وقال القفال : يحتمل أن يكون المقصود النهي عن طلب العوض زائداً أو مساوياً أو ناقصاً . أما الزائدة فطاهر . وأما المساوي والناقص فلأن طالب العوض كاره أن ينتقص المال بسبب العطاء فكأنه يطلب الكثرة . ويجوز أن يقال : إنما حسنت هذه الاستعارة لأن الغالب أن الثواب يكون زائداً على العطاء فسمي طلب الثواب استكثارا حملاً للشيء على أغلب أحواله ، وكما أن الأغلب أن المرأة ذات الولد إنما تتزوج للحاجة إلى من يربى ولدها فسمي الولد ربيباً ، ثم اتسع ولد المرأة ربيباً . وإن كان كبيراً خارجاً عن حد التربية أمر صلى الله عليه وسلم أن يكون عطاؤه خالياً عن انتظار العوض والتفات النفس إليه كيف كان حتى يقع خالصاً لوجه الله ويكون صابراً محتسباً .

وعن الحسن وغيره أنه لما أمره الله بإنذار القوم وتكبير الرب وتطهير الثياب وهجران الرجز قال { ولا تمنن } على ربك بهذه الأعمال الشاقة كالمستكثر لما تفعله بل اصبر على ذلك كله ويؤكده قوله بعد ذلك :

/خ56