المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَلَا تَمۡنُن تَسۡتَكۡثِرُ} (6)

واختلف المتأولون في معنى قوله تعالى : { ولا تمنن تستكثر } . فقال ابن عباس وجماعة معه : لا تعط عطاء لتعطى أكثر منه ، فكأنه من قولهم ، من إذا أعطى ، قال الضحاك ، وهذا خاص بالنبي عليه السلام ، ومباح لأمته لكن لا أجر لهم فيه . قال مكي : وهذا معنى قوله تعالى : { وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله }{[11413]} [ الروم : 39 ] ، وهذا معنى أجنبي من معنى هذه السورة . وحكى النقاش عن ابن عباس أنه قال : { ولا تمنن تستكثر } لا تقل دعوت فلم أجب وروى قتادة أن المعنى لا تدل بعملك{[11414]} ، ففي هذا التأويل تحريض على الجد وتخويف ، وقال ابن زيد : معناه { ولا تمنن } على الناس بنبوءتك { تستكثر } بأجر أو بكسب تطلبه منهم . وقال الحسن بن أبي الحسن : معناه { ولا تمنن } على الله بجدك { تستكثر } أعمالك ويقع لك بها إعجاب ، فهذه كلها من المن الذي هو تعديد اليد وذكرها . وقال مجاهد : معناه ولا تضعف { تستكثر } ما حملناك من أعباء الرسالة وتستكثر من الخير ، فهذه من قولهم حبل منين أي ضعيف{[11415]} ، وفي قراءة ابن مسعود : «ولا تمنن أن تستكثر » ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن : «تستكثرْ » بجزم الراء ، وذلك كأنه قال لا تستكثر ، وقرأ الأعمش : «تستكثرَ » بنصب الراء ، وذلك على تقدير أن مضمرة وضعف أبو حاتم الجزم ، وقرأ ابن أبي عبلة : «ولا تمنن فتستكثرْ » بالفاء العاطفة والجزم ، وقرأ أبو السمال : «ولا تمنّ » بنون واحدة مشددة .


[11413]:من الآية 39 من سورة الروم.
[11414]:من قولهم: "أدل عليه" بمعنى: وثق بمحبته فأفرط عليه، وهي بمعنى تدلل عليه.
[11415]:ذكر ابن عطية ستة أقوال في الآية، وذكر القرطبي فيها أحد عشر تأويلا.