{ فكيف تتقون إن كفرتم } أي : كيف لكم بالتقوى يوم القيامة إذ كفرتم في الدنيا يعني لا سبيل لكم إلى التقوى إذا وافيتم يوم القيامة ؟ وقيل : معناه كيف تتقون العذاب يوم القيامة وبأي شيء تتحصنون منه إذا كفرتم ؟ { يوما يجعل الولدان شيبا } شمطاً من هوله وشدته ، ذلك حين يقال لآدم قم فابعث بعث النار من ذريتك .
قوله تعالى : " فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا " هو توبيخ وتقريع ، أي كيف تتقون العذاب إن كفرتم . وفيه تقديم وتأخير ، أي كيف تتقون يوما يجعل الولدان شيبا إن كفرتم . وكذا قراءة عبد الله وعطية .
قال الحسن : أي بأي صلاة تتقون العذاب ؟ بأي صوم تتقون العذاب ؟ وفيه إضمار ، أي كيف تتقون عذاب يوم . وقال قتادة : والله ما يتقى من كفر بالله ذلك اليوم بشيء . و " يوما " مفعول ب " تتقون " على هذه القراءة وليس بظرف ، وإن قدر الكفر بمعنى الجحود كان اليوم مفعول " كفرتم " . وقال بعض المفسرين : وقف التمام على قوله : ( كفرتم ) والابتداء ( يوما ) يذهب إلى أن اليوم مفعول " يجعل " والفعل لله عز وجل ، وكأنه قال : يجعل الله الولدان شيبا في يوم . قال ابن الأنباري : وهذا لا يصلح ؛ لأن اليوم هو الذي يفعل هذا من شدة هوله . المهدوي : والضمير في " يجعل " يجوز أن يكون لله عز وجل ، ويجوز أن يكون لليوم ، وإذا كان لليوم صلح أن يكون صفة له ، ولا يصلح ذلك إذا كان الضمير لله عز وجل إلا مع تقدير حذف ، كأنه قال : يوما يجعل الله الولدان فيه شيبا . ابن الأنباري : ومنهم من نصب اليوم " بكفرتم " وهذا قبيح ؛ لأن اليوم إذا علق ب " كفرتم " احتاج إلى صفة ؛ أي كفرتم بيوم . فإن احتج محتج بأن الصفة قد تحذف وينصب ما بعدها ، احتججنا عليه بقراءة عبد الله " فكيف تتقون يوما " .
قلت : هذه القراءة ليست متواترة ، وإنما جاءت على وجه التفسير . وإذا كان الكفر بمعنى الجحود ف " يوما " مفعول صريح من غير صفة ولا حذفها ؛ أي فكيف تتقون الله وتخشونه إن جحدتم يوم القيامة والجزاء . وقرأ أبو السمال قعنب " فكيف تتقون " بكسر النون على الإضافة . و " الولدان " الصبيان . وقال السدي : هم أولاد الزنا . وقيل : أولاد المشركين . والعموم أصح ، أي يشيب فيه الضمير من غير كبر . وذلك حين يقال : ( يا آدم قم فابعث بعث النار ) . على ما تقدم في أول سورة " الحج " {[15528]} . قال القشيري : ثم إن أهل الجنة يغير الله أحوالهم وأوصافهم على ما يريد .
وقيل : هذا ضرب مثل لشدة ذلك اليوم وهو مجاز ؛ لأن يوم القيامة لا يكون فيه ولدان ولكن معناه أن هيبة ذلك اليوم بحال لو كان فيه هناك صبي لشاب رأسه من الهيبة . ويقال : هذا وقت الفزع ، وقيل أن ينفخ في الصور نفخة الصعق ، فالله أعلم . الزمخشري : وقد مر بي في بعض الكتب أن رجلا أمسى فاحم الشعر كحنك الغراب ، فأصبح وهو أبيض الرأس واللحية كالثغامة{[15529]} ، فقال : أريت القيامة والجنة والنار في المنام ، ورأيت الناس يقادون في السلاسل إلى النار ، فمن هول ذلك أصبحت كما ترون . ويجوز أن يوصف اليوم بالطول ، وأن الأطفال يبلغون فيه أوان الشيخوخة والشيب .
ولما علم بهذا أنه سبحانه شديد الأخذ ، وأنه لا يغني ذا الجد منه الجد ، سبب عن ذلك قوله محذراً لهم الاقتداء بفرعون : { فكيف تتقون } أي توجدون الوقاية التي تقي أنفسكم ، ولما-{[69559]} كان التنفير{[69560]} من سبب التهديد أهم لأنه أدل على رحمة المحذر وأبعث على اجتنابه ، قال مشيراً بأداة الشك إلى أن كفرهم بالله مع ما نصب لهم من الأدلة العقلية المؤيدة بالنقلية ينبغي أن لا يوجد بوجه ، وإنما يذكر على سبيل الفرض والتقدير : { إن كفرتم } أي أوقعتم الستر لما غرس في فطركم من أنوار الدلائل القائدة إلى الإيمان فبقيتم على كفركم - على أن العبارة مشيرة إلى أنه عفا عنهم الكفر الماضي فلا يعده{[69561]} عليهم رحمة منه وكرماً ولا يعد عليهم إلا ما أوقعوه بعد مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم { يوماً } أي-{[69562]} هو مثل في الشدة بحيث إنه-{[69563]} يقال فيه { يجعل } لشدة أهواله وزلزاله وأوجاله { الولدان } أي عند الولادة أو بالقرب منها { شيباً } جمع أشيب وهو من ابيض شعره ، وذلك كناية أن عن كثرة الهموم فيه لأن العادة جارية بأنها إذا تفاقمت أسرعت بالشيب ، والمعنى إنكار أن يقدروا على أن يجعلوا لهم وقاية بغاية جهدهم تقيهم عذاب ذلك اليوم الموصوف بهذا الهول الأعظم ، وذلك حين يقول الله : " يا آدم قم فابعث{[69564]} بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين " وأسند الجعل إلى اليوم لكونه واقعاً فيه كما جعله المتقي ، وإنما المتقي العذاب الواقع فيه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.