السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَكَيۡفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرۡتُمۡ يَوۡمٗا يَجۡعَلُ ٱلۡوِلۡدَٰنَ شِيبًا} (17)

ثم خوّفهم بيوم القيامة فقال تعالى : { فكيف تتقون إن كفرتم } أي : توجدون الوقاية التي تقي أنفسكم إذا كفرتم في الدنيا ، والمعنى : لا سبيل لكم إلى التقوى إذا رأيتم القيامة . وقيل : معناه : فكيف تتقون العذاب يوم القيامة إذا كفرتم في الدنيا . وقوله تعالى : { يوماً } مفعول تتقون أي : عذابه أي : بأي حصن تتحصنون من عذاب الله يوم { يجعل الولدان } وقوله تعالى { شيباً } جمع أشيب ، والأصل في الشين الضم وكسرت لمجانسة الياء ، ويقال في اليوم الشديد : يوم يشيب نواصي الأطفال ، وهو مجاز ، ويجوز أن يراد في الآية الحقيقة والمعنى : يصيرون شيوخاً شمطاً من هول ذلك اليوم وشدّته وذلك حين يقال لآدم عليه السلام قم : فابعث بعث النار من ذريتك ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يقول الله عز وجل يوم القيامة : يا آدم فيقول : لبيك وسعديك وفي رواية والخير بين يديك فينادى بصوت إنّ الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار ، قال : يا رب وما بعث النار . قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين فحينئذ تضع الحامل حملها ويشيب الوليد { وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب الله شديد } [ الحج : 2 ] فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم ، قالوا : يا رسول الله أينا ذلك الرجل ؟ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم أبشروا ، فإنّ من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين ومنكم واحد ، ثم قال : أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود ، وفي رواية كالرقة في ذراع الحمار وهي بفتح الراء وسكون القاف الأثر الذي في بطن عضد الحمار وإني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبر القوم ، ثم قال : فثلث أهل الجنة فكبروا ، ثم قال : شطر أهل الجنة فكبروا » وفي هذا إشارة إلى الاعتناء بهم لأنّ إعطاء الإنسان مرّة بعد مرّة دليل على الاعتناء به ودوام ملاحظته ، وفي هذا أيضاً حملهم على تجديد شكر الله تعالى وحمده على إنعامه عليهم وهو تكبيرهم لهذه البشارة العظيمة .