فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَكَيۡفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرۡتُمۡ يَوۡمٗا يَجۡعَلُ ٱلۡوِلۡدَٰنَ شِيبًا} (17)

{ فكيف تتقون } أي فكيف تقون أنفسكم وتوجدون الوقاية التي تقي أنفسكم ، والمعنى لا سبيل لكم إلى التقوى إذا رأيتم القيامة ، وقيل معناه فكيف تتقون العذاب يوم القيامة { إن كفرتم } إي أذا بقيتم على كفركم في الدنيا { يوما } أي عذاب يوم .

{ يجعل الولدان شيبا } لشدة هوله أي يصير الولدان شيوخا شمطا ، والشيب جمع أشيب ، وهذا يجوز أن يكون حقيقة وأنهم يصيرون كذلك ، أو تمثيلا لأن من شاهد الهول العظيم تقاصرت قواه وضعفت أعضاؤه وصار كالشيخ في الضعف وسقوط القوة ، قال الشاعر :

والهم يخترم الجسيم نحافة ويشيب ناصية الصبى ويهرم

قال في المصباح والشيب ابيضاض الشعر المسود وشيب الحزن رأسه وبرأسه بالتشديد وأشابه بالألف وأشاب به فشاب في المطاوع انتهى . وفي القاموس الشيب الشعر وبياضه كالمشيب وهو أشيب ، ولا فعلاء له أي لا يقال امرأة شيباء كما في المصباح ، وقوم شِيب وشُيُب بضمتين ، وقيل يحتمل أن يكون المراد وصف ذلك اليوم بالطول وأن الأطفال يبلغون منه الشيخوخة والشيب ، والأول أولى . وفي هذا توبيخ لهم شديد وتقريع عظيم .

قال الحسن أي كيف تتقون يوما يجعل الولدان شيبا إن كفرتم وكذا قرأ ابن مسعود وعطية ، ويوما مفعول به لتتقون ، قال ابن الأنباري : ومنهم من نصب اليوم بكفرتم ، وهذا قبيح ، والولدان الصبيان .

وعن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ يجعل الولدان شيبا قال ذلك يوم القيامة . وذلك يوم يقول الله لآدم قم فابعث من ذريتك بعثا إلى النار ، قال من كم يا رب ؟ قال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين وينجو واحد ، فاشتد ذلك على المسلمين فقال حين أبصر ذلك في وجوههم إن بني آدم كثير ، وأن يأجوج ومأجوج من ولد آدم إنه لا يموت رجل منهم حتى يرثه لصلبه ألف رجل ففيهم وفي أشباههم جنة لكم " أخرجه الطبراني وابن مردويه ، وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود بأخصر منه .