الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{فَكَيۡفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرۡتُمۡ يَوۡمٗا يَجۡعَلُ ٱلۡوِلۡدَٰنَ شِيبًا} (17)

{ يَوْماً } مفعول به ، أي : فكيف تقون أنفسكم يوم القيامة وهو له ، إن بقيتم على الكفر . ولم تؤمنوا وتعملوا صالحاً . ويجوز أن يكون ظرفاً ، أي : فكيف لكم بالتقوى في يوم القيامة إن كفرتم في الدنيا ويجوز أن ينتصب بكفرتم على تأويل جحدتم ، أي فكيف تتقون الله وتخشونه إن جحدتم يوم القيامة والجزاء ، أن تقوى الله خوف عقابه { يَجْعَلُ الولدان شِيباً } مثل في الشدة يقال في اليوم الشديد : يوم يشيب نواصي الأطفال والأصل فيه : أنّ الهموم والأحزان إذا تفاقمت على الإنسان أسرع فيه الشيب . قال أبو الطيب :

وَالْهَمُّ يَخْتَرِمُ الْجَسِيمَ نَحَافَةً *** وَيُشِيبُ نَاصِيَةَ الصَّبِيِّ وَيُهْرِمُ

وقد مرّ بي في بعض الكتب أن رجلاً أمسى فاحم الشعر كحنك الغراب . وأصبح وهو أبيض الرأس واللحية كالثغامة ، فقال : أريت القيامة والجنة والنار في المنام ، ورأيت الناس يقادون في السلاسل إلى النار ، فمن هول ذلك أصبحت كما ترون . ويجوز أن يوصف اليوم بالطول . وأنّ الأطفال يبلغون فيه أوان الشيخوخة والشيب .