الآية 17 : وقوله تعالى : { فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا } فهو يحتمل أوجها :
أحدها : أي كيف تتقون النار في الآخرة إذا سلكتم في الدنيا سبيلها ، وهو الكفر ، وأنتم تعلمون أن من سلك طريقا لشيء ، ولا منفذ لذلك الطريق[ إلا إلى ] ذلك الشيء ، فإنه يُرد عليه ، لا محالة ؟ .
[ والثاني : ]{[22485]} كيف تتقون النار في الآخرة وقد تركتم القيام بما عليكم من شكر النعم ؟ .
[ والثالث : ]{[22486]} كيف تتقون العذاب في الآخرة ، وأنتم تدفعون إليها ، وتضطرون بقوله عز وجل/{ ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ }[ لقمان : 24 ] وبقوله : { يوم يسحبون في النار على وجوههم } [ القمر : 48 ] وبقوله : { خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم }[ الدخان : 47 ] وقد مُكّنتم في الدنيا من الإيمان بالله تعالى ومكنتم الانتهاء عن الكفر ، ثم لم تنقلعوا عنه ؟ فأنى يتهيأ لكم المخلص من عذابه ، وأنتم تدفعون إليه ، أو كيف تنتفعون بإيمانكم في الآخرة ، ولم تؤمنوا في الدنيا ، وقد مكنتم منه ؟ .
والأصل أن دار الآخرة ليست بدار لاستحداث الأسباب ، وإنما هي دار وقوع المسببات . فهم إذا لم يستحدثوا الأسباب التي جعلت لدفع العذاب في الدنيا ، لم يمكنوا من استحداثها في الآخرة ، فينتفعوا بها/ 608 – أ/ ولم يكونوا أهلا لوقوع المسببات لما لم يستحدثوا الأسباب في الدنيا ، وإنما قلنا : إنها ليست بدار محنة وابتلاء لأن المحنة لاستظهار الخفيات ، والثواب والعقاب قد شوهد ، وعوين .
فإذا قيل له : إذا فعلت كذا دخلت النار ، وهو يعاين النار ، ويراها ، فهو يمتنع عن الإقدام على ذلك الفعل .
وإذا قيل له : إذا آمنت بالله أكرمت بالجنة ، وهو يشاهد الجنة ، ويراها ، فهو يؤمن ، لا محالة ، فلا وجه للابتلاء في الآخرة ، بل هي دار المسببات ، يعني الثواب والعقاب .
والذي يدل على هذا قوله : { يوما يجعل الولدان شيبا }فأخبر أنهم يشيبون لا بسبب المشيب ، والمشيب في الدنيا لا يوجد إلا بعد وجود سببه ، وهو الكبر ، ليعلم أن الدار الآخرة ليست بدار استحداث الأسباب في ما يستحدثون من الإيمان بالله تعالى ، لا ينفعهم في ذلك اليوم ، ولا يقيهم من عذاب الله تعالى .
وقوله تعالى : { يوما يجعل الولدان شيبا } جائز أن يكون هذا على التحقيق ، فشيب الولدان لهول ذلك اليوم وشدة هوله ، يصير الشيب سكارى لشدة هوله كما قال : { وترى الناس سكارى وما هم بسكارى }[ الحج : 2 ] .
وجائز أن يكون على التمثيل ، فمثّله به لعظم ذلك اليوم وشدة هوله . وقد يجوز أن يمثل الشيء بما يبعد عن الأوهام تحقيقه على تعظيم ذلك الشيء كقوله : { تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدّا }{ أن دعوا للرحمن ولدا }[ مريم : 90و91 ] فذكر هذا على التمثيل لعظيم ما قيل فيه لا على تحقيق الانفطار والانشقاق .
وجائز أن يكون معناه أنه لولا أن الله تعالى بعثهم للإبقاء وألا يتغيروا ولا يتفانوا ، وإلا كان هول ذلك اليوم يبلغ مبلغا يشيب به الولدان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.