{ إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله } يخفضونها إجلالا له صلى الله عليه وسلم . يقال : غض من صوته وغض طرفه ، خفضه . وكل شيء كففته فقد غضضته . وباب الكل رد . { أولئك الذين امتحن الله قلوبهم . . . } أخلصها للتقوى ، أي جعلها خالصة لها ؛ فلم يبق لغير التقوى فيها حق ، كأن القلوب خلصت ملكا للتقوى . وأصله من امتحان الذهب وإذابته ليخلص إبريزه من خبثه وينقى . واستعير لما ذكر لتخليص القلوب فيه من جميع الشوائب . نزلت في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ؛ فقد كان أبو بكر بعد نزول الآية السابقة لا يكلم النبي صلى الله عليه وسلم إلا كأخي السّرار . وكان عمر إذا تكلم عند الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسمع كلامه حتى يستفهمه مما يخفض صوته .
امتحنَ الله قلوبهم : طهّرها ونقاها وأخلصها للتقوى .
ثم نوه الله تعالى بتقواهم ، وغضّهم أصواتَهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعبير لطيف فقال :
{ إِنَّ الذين يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ الله أولئك الذين امتحن الله قُلُوبَهُمْ للتقوى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } .
هنا يرغّبهم الله ويتلطف بهم بعد ذلك التحذير المخيف ، ويقول : إن الذين يخفضون أصواتهم في مجلس رسول الله ، إجلالاً له ، أولئك قد طهّر الله قلوبهم ونقّاها وأخلصَها للتقوى ، فلهم مغفرةٌ لذنوبهم ، وأجر عظيم لتأدّبهم وغضّ أصواتهم وتقواهم .
ثم مدح من غض صوته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بأن الله امتحن قلوبهم للتقوى ، أي : ابتلاها واختبرها ، فظهرت نتيجة ذلك ، بأن صلحت قلوبهم للتقوى ، ثم وعدهم المغفرة لذنوبهم ، المتضمنة لزوال الشر والمكروه ، والأجر العظيم ، الذي لا يعلم وصفه إلا الله تعالى ، وفي الأجر العظيم وجود المحبوب{[795]} وفي هذا ، دليل على أن الله يمتحن القلوب ، بالأمر والنهي والمحن ، فمن لازم أمر الله ، واتبع رضاه ، وسارع إلى ذلك ، وقدمه على هواه ، تمحض وتمحص للتقوى ، وصار قلبه صالحًا لها ومن لم يكن كذلك ، علم أنه لا يصلح للتقوى .
قوله تعالى : " إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله " أي يخفضون أصواتهم عنده إذا تكلموا إجلالا له ، أو كلموا غيره بين يديه إجلالا له . قال أبو هريرة : لما نزلت " لا ترفعوا أصواتكم " قال أبو بكر رضي الله عنه : والله لا أرفع صوتي إلا كأخي السِّرَارِ{[14061]} . وذكر سنيد قال : حدثنا عباد بن العوام عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة قال : لما نزلت : " لا تقدموا بين يدي الله ورسوله " [ الحجرات : 1 ] قال أبو بكر : والذي بعثك بالحق لا أكلمك بعد هذا إلا كأخي السِّرَارِ . وقال عبد الله بن الزبير : لما نزلت : " لا ترفعوا أصواتكم " ما حدث عمر عند النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك فسمع كلامه حتى يستفهمه مما يخفض ، فنزلت : " إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى " . قال الفراء : أي أخلصها للتقوى . وقال الأخفش : أي اختصها للتقوى . وقال ابن عباس : " امتحن الله قلوبهم للتقوى " طهرهم من كل قبيح ، وجعل في قلوبهم الخوف من الله والتقوى . وقال عمر رضي الله عنه : أذهب عن قلوبهم الشهوات . والامتحان افتعال من محنت الأديم محنا حتى أوسعته . فمعنى أمتحن الله قلوبهم للتقوى وسعها وشرحها للتقوى . وعلى الأقوال المتقدمه : امتحن قلوبهم فأخلصها ، كقولك : امتحنت الفضة أي اختبرتها حتى خلصت . ففي الكلام حذف يدل عليه الكلام ، وهو الإخلاص . وقال أبو عمرو : كل شيء جهدته فقد محنته . وأنشد :
أتتْ رذايا باديًا كَلاَلها *** قد محنت واضطربت آطالُها{[14062]}
{ إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم }
ونزل فيمن كان يخفض صوته عند النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم كأبي بكر وعمر وغيرهما رضى الله عنهم :
{ إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن } اختبر { الله قلوبهم للتقوى } أي لتظهر منهم { لهم مغفرة وأجر عظيم } الجنة ، ونزل في قوم جاءُوا وقت الظهيرة والنبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم في منزله فنادوه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.