الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصۡوَٰتَهُمۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمۡتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡ لِلتَّقۡوَىٰۚ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٌ عَظِيمٌ} (3)

{ إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى } [ 3 ] .

أي : طهرها{[64281]} من كل دنس وجعل فيها التقوى . وثابت هذا هو الذي وقعت جويرية{[64282]} : أم المؤمنين في سهمه فكاتبته على نفسها .

قالت عائشة رضي الله عنها : وكانت جويرية امرأة حلوة مليحة لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه ، قالت عائشة رضي الله عنها{[64283]} : فأتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم{[64284]} تستعينه في كتابتها ، قالت عائشة : فوالله ما هو – إلا رأيتها على باب حجرتي{[64285]} كرهتها وعلمت أن النبي صلى الله عليه وسلم{[64286]} سيرى منها ما رأيت ، تريد من حسنها وحلاوتها .

قالت عائشة : فدخلت جويرية على النبي صلى الله عليه وسلم{[64287]} ، فقالت : يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث بن أبي{[64288]} ضرار سيد قومه ، وقد أصابني{[64289]} من البلاء ما لم يخف عنك ، فوقعت في السهم{[64290]} لثابت بن قيس ، وكاتبته{[64291]} عن نفسي فجئتك أستعينك على كتابتي ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : فهل ( لك خير ){[64292]} من ذلك ، قالت : وما هو يا رسول الله ، قال : أقض كتابتك وأتزوجك ، قالت : نعم يا رسول الله ، قال : قد فعلت ، فخرج الخبر في الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم{[64293]} تزوج جويرية ، فقال الناس : أصهار رسول الله ، فأرسلوا ما بأيديهم من الأسرى إجلالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم{[64294]} .

قالت عائشة : فلقد أعتق الناس بتزويجها إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق{[64295]} ، قالت : فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها من جويرية{[64296]} .

ثم قال : { آن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون } .

أي : مخافة أن تبطل أعمالكم وأنتم { لا تشعرون }{[64297]} أي : لا تعلمون .

وقال الزجاج تقديره " لأن تحبط " ، وهو عنده مثل { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا }{[64298]} وسمى هذه اللام لام الصيرورة{[64299]} أي : التقطه{[64300]} ليصير أمرهم إلى ذلك ؛ لأنهم قصدوا التصير إلى ذلك ولكنه في المقدر{[64301]} ، وفيما سبقه من علم الله ، فالمعنى لا ترفعوا أصواتكم فيكون ذلك سببا لإبطال أعمالكم{[64302]} .

وفي قراءة عبد الله : " فتحبط أعمالكم " {[64303]} .

ثم قال{[64304]} : { إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله } [ 3 ] أي : يكفون رفع أصواتهم عند حضور رسول الله صلى الله عليه وسلم{[64305]} .

{ أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى } ( أي : اختبرها فاصطفاها{[64306]} ) وأخلصها للتقوى كما يمتحن{[64307]} الذهب بالنار فيخلصن جيده ويبطل خبيثه{[64308]} .

قال مجاهد{[64309]} : اختبرها فوجدها خالصة للتقوى{[64310]} .

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : امتحنها للتقوى : أي : أذهب الشهوات منها{[64311]} .

ثم قال : { لهم مغفرة وأجر عظيم } أي : لهم ستر وعفو من الله عز وجل{[64312]} يوم القيامة ، ولهم أجر عظيم : وهو الجنة والخلود فيها .


[64281]:ع: "أظهرها".
[64282]:جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار المصطلاقية، سبيت يوم غزوة المريسع في السنة الخامسة، وكان اسمها برة، وكانت من أجمل النساء أتت النبي تطلب منه إعانة في فكاك نفسها، فقال: "أو خير من ذلك؟ أتزوجك". فأسلمت وتزوج بها، وأطلق لها الأساري من قومها، وكان أبوها سيدا مطاعا، حدث عنها ابن عباس و مجاهد وأبو أيوب يحيى بن مالك الأزدي وآخرون، توفيت جوزية في سنة خمسين، جاء لها سبعة أحاديث: منها عند البخاري حديث وعند مسلم حديثان. انظر: طبقات ابن سعد 8/116 -120 وسير أعلام النبلاء 2/261، وشذرات الذهب 1/61.
[64283]:ساقط من ع.
[64284]:ع: "عليه السلام".
[64285]:ع: "حجرة".
[64286]:ساقط من ع.
[64287]:ساقط من ع.
[64288]:ح: "جويرية بنت الحزة بن أبي خبراق وهو تحريف.
[64289]:ساقط من ع.
[64290]:ع: "سهم".
[64291]:ع: "كاتبه".
[64292]:ع:"لك في خير".
[64293]:ساقط من ع.
[64294]:ساقط من ع.
[64295]:بنو المصطلق بضم الميم وسكون الصاد وفتح الطاء المهملتين وكسر اللام وقاف في الآخر، بطن من خزاعة من الأزد من القحطانية وهم بنو المصطلق، واسمه جذيمة بن سعد بن عمرو ابن عامر بن الحي. انظر: نهاية الإرب 72.
[64296]:راجع: سيرة ابن هشام 3/185 -187.
[64297]:ع: "لا تعلمون".
[64298]:القصص: آية 7.
[64299]:ع: "الصبرورة": وهو تصحيف.
[64300]:ع: "التقطوه".
[64301]:ع: "في المقدار".
[64302]:انظر: معاني الزجاج 5/32، وإعراب النحاس 4/209.
[64303]:انظر: معاني الفراء 9/70، وجامع البيان 26/76، وهي قراءة عبد الله وزيد بن علي في البحر المحيط 8/106.
[64304]:ع: "ثم قال جل ذكره".
[64305]:ساقط من ع.
[64306]:ع: "أي امتحنها وخلصها".
[64307]:ع: "تمتحن".
[64308]:انظر: معاني الفراء 3/70، وتفسير الغريب 415.
[64309]:ع: (قال مجاهد امتحن الله، أخلصها فيما أحبه) وهو ساقط من ح.
[64310]:انظر: تفسير مجاهد 610.
[64311]:انظر: تفسير القرطبي 16/309.
[64312]:ساقط من ع.