فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصۡوَٰتَهُمۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمۡتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡ لِلتَّقۡوَىٰۚ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٌ عَظِيمٌ} (3)

ثم رغب سبحانه في امتثال ما أمر به ، فقال : { إِنَّ الذين يَغُضُّونَ أصواتهم عِندَ رَسُولِ الله } أصل الغض : النقص من كل شيء ، ومنه نقص الصوت { أُوْلَئِكَ الذين امتحن الله قُلُوبَهُمْ للتقوى } قال الفراء : أخلص قلوبهم للتقوى ، كما يمتحن الذهب بالنار ، فيخرج جيده من رديئه ويسقط خبيثه . وبه قال مقاتل ومجاهد وقتادة . وقال الأخفش : اختصها للتقوى ، وقيل : طهرها من كلّ قبيح ، وقيل : وسعها وسرّحها ، من محنت الأديم : إذا وسعته . وقال أبو عمرو : كلّ شيء جهدته فقد محنته ، واللام في { للتقوى } متعلقة بمحذوف : أي صالحة للتقوى كقولك أنت صالح لكذا ، أو للتعليل الجاري مجرى بيان السبب ، كقولك جئتك لأداء الواجب : أي ليكون مجيئي سبباً لأداء الواجب { لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } أي أولئك لهم ، فهو خبر آخر لاسم الإشارة ، ويجوز أن يكون مستأنفاً لبيان ما أعدّ الله لهم في الآخرة .

/خ8